كما هو الحال في كل شهور السنة امام المسلم المؤمن بالاسلام الحنيف، طريقان لا ثالث لهما مؤديان الى الآخرة، أحدهما سهل ميسور لكل الخلق، لا يعجز أحداً من البشر فيه عن تحقيق جميع انواع الرغبات دون تمييز، لا يترتب عليه التزام بمنهج الا ما تهواه الأنفس وما تطمح اليه الاجساد في الشهوات، وهو الطريق المؤدي حتماً الى خسارة الآخر بالكلية صاحبه يكره لقاء الله اذا حضرت الوفاة، وما تلقاه بعدها فالله به عليم يظلم عليه قبره وتفتح له الى النار كوة يشهد موضعه منها، فيناله بعض عذابها قبل ان يلقى فيها مدحوراً. أما الطريق الآخر فصعب غير ميسور لا يصبر على السير فيه الا من اشتد ايمانه ورسخ وأتاه الله القوة على كبح جماح النفس الأمارة بالسوء، ومنحه الله القوة فتغلب على قرينه من شياطين الجن أولا، ثم لم يقترب من شياطين الأنس فقد عرفهم وتجنبهم كل حياته إقباله على الله لا يقف في طريقه الى السير اليه غريزة او شهوة او دعوة باطلة استطاع عن طريق عبادته لله باخلاص وادائه سائر الطاعات في علن وسر لا يعنيه سوى ان يرضى ربه ويتقرب اليه فيشغل اوقاته كلها بعبادته وذكره ولا يعمل عملا حتى للدنيا إلا إذا أيقن انه يرضي الله فيشمله الله برعايته فيجعل حكمه على الاشياء الاصواب أليس يقول ربنا فيما روعى عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب الى عبدي بشيء أحب الى مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه فاذا أحبته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وان سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وانا اكره مساءته ولابد منه ) أخرجه الامام البخاري وهذه هي الولاية لمن أحب الله فما عصاه وفعل كل ما يرضيه من الطاعات ، وكم لله ولى ستر عن الناس ما هو فيه من نعيم الايمان والطاعة فتغلب حتى على نفسه الامارة بالسوء فنجا في الدنيا حتماً وهو في الآخرة صاحب الجائزة العظمى. ومثل هذا فرمضان بالنسبة اليه سيد شهور السنة يتيح له فسحة لما أحب من الطاعات وفيه ليلة نزل فيها القرآن، يغفر الله فيها لعباده فاذا أتاهم يوم العيد فاذا هم قد محيت سيئاتهم وزادت حسناتهم فهو زمن يحبه ويرضاه ويتمنى لو ان كل شهور السنة مثله ليزداد قرباً الى ربه. فإن لم نكن مثله فلنتشبه به وبأمثاله ولنجعلهم قدوة لنا، فنقبل على رمضان وقد تخلينا عن المعاصي وعاهدنا أنفسنا الا نعود اليها أبداً ولنعزم على ذلك عزماً رشيداً فنقبل على أيامه بتوبة نصوحاً، ثم لنتشبه بالصالحين فيه فنتقرب الى الله بما أفترض علينا ثم لنضاعف النوافل فيه وما نتطوع به من صلاة وذكر وتلاوة لكتاب الله وتدبر لمعانيه واحكامه وان نحسن اداء أعمالنا كلها وان تصورنا انها دنيوية لا نؤجر عليها، فالحق ان كل عمل يعمله المؤمن يريد به رضا الله من اعمال الدنيا او الاخرة يؤجره الله عليه ويضاعف له الاجر فالتفريط فيهما يحاسبه عليهما ويكون مؤزورا بهذا التفريط، تلك حقيقة يغفل عنها الكثير من الناس فيجعلون رمضان شهر كسل ينامون نهاره ويسهرون ليله فيما لا نفع لهم في الدنيا ولا الآخرة وآسفي عليهم فانهم يضيعون افضل فرصة يمنحها الله لعباده ليعودوا اليه آيبين تائبين راجين مغفرته ورضوانه. هذه كلمات أحببت ان تبلغ من قلوب إخواني القراء مبلغاً يجعلني الله بها وبهم نلتقي على خير ما يقال في اقبال هذا الشهر الكريم. أعاننا الله فيه على الصيام والقيام والذكر وكل الوان العبادة ورحمنا وغفرنا فيه واعتقنا من النار انه أرحم الراحمين. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043