أصبحنا لا نتحرج من الحديث عن الشعوبية والقبلية والعشائرية والجهوية والطائفية بعد أن سقطنا في مستنقعاتها النتنة لنعود إلى الوراء سنوات وسنوات محتكمين إلى أعراف بالية كانت سبباً في دمار كثير من خلق الله الذين تنكبوا الطريق وعجزت عقولهم عن إدراك أنهم متساوون في النسب وأنهم إنما خلقوا ليتعارفوا لا ليتفاخروا وأن معيار التكريم هو التقوى. لقد حملت أخبار السودان مؤخراً مقتل وإصابة المئات معظمهم من الشباب وفرار ونزوح الآلاف في تجدد المواجهات الدامية بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا في ولاية شرق دارفور التي استخدمت فيها أسلحة ثقيلة بعد فشل عدة مؤتمرات للصلح وتسوية الخلافات كان آخرها مؤتمر مروي في فبراير الماضي حيث رفض وفد المعاليا التوقيع على الصلح رغم توافق الوفدين على العديد من بنوده عدا الفقرة المتعلقة بملكية أرض. وفي نزاع سابق بينهما العام الماضي 2014م أعلنت الأممالمتحدة أنه أودى بحياة أكثر من 320 قتيلاً بجانب مئات الجرحى من الطرفين ونزوح آلاف المدنيين علماً بأن الطرفين يتنازعان على ملكية الأرض منذ عام 1965م. وقال منسق الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية بالسودان علي الزعتري، إن الصراع القبلي في دارفور أصبح المصدر الرئيس للعنف بعد تراجع المواجهات المسلحة بين الحكومة والحركات المسلحة. وفي سابقة تعتبر الأولى من نوعها أجمعت الصحف السودانية على الخروج بعنوان رئيسي موحد (الصحافة السودانية: لا للدماء) إلى جانب افتتاحية واحدة ووقفة إحتجاجية ضد العنف القبلي ونزيف الدم بين القبائل في دارفور. وقد شهدت دارفور الكبرى على مدى تاريخها صراعات مؤلمة ودامية بين قبائلها حول الموارد وبين الرعاة الرحل والمزارعين وكان للإدارة الأهلية دور كبير في الصلح بين المجموعات المتحاربة.. إلا أنها في الآونة الأخيرة أصبحت مصدر قلق كبير بعد تسرب مختلف أنواع الأسلحة من بعض دول الجوار وتفشي ظاهرة النهب المسلح وبروز الحركات المسلحة التي اتخذت من تحرير السودان شعاراً لها في مواجهة المركز بدعاوى التهميش غير أن منطلقاتها ومسالكها تلقي بظلال من الشك حول أهدافها الحقيقية خاصة بعد جنوح كثير من فصائلها والمجموعات المنشقة عنها إلى السلام ومشاركتها في الحكومة الاتحادية وعلى مستوى ولايات دارفور الخمس. ومن غرائب هذا الصراع اتهام مسؤولين نافذين بالانخراط فيه أو تأجيجه غير أن لجان التحقيق هي المنوطة بإثبات ذلك أو نفيه بعد أن تم الفصل بين القبيلتين بتعزيزات عسكرية وعادت الحياة إلى طبيعتها. ولعل وجه الغرابة في ذلك أن بعض المتعلمين, إن صدق الاتهام, مازالوا يعيشون في حمية الجاهلية ويضعون القبيلة فوق الوطن وأمنه ولا يرقبون فيمن يجاورهم في المكان ويشاركهم في الماء والكلأ إلاً ولا ذمة .. لا يرعون قرابة ولا عهداً. وإذا كانت الصحافة السودانية قد اتخذت هذا الموقف المشرف فمن يكبح جماح مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين أصبح هم بعضهم اشعال الفتن وإذكاء روح القبلية والعنصرية وتجاوز حدود الأدب والأخلاق الكريمة إلى السب والشتم وإلقاء الاتهامات جزافاً والمغامرة بأمن الأوطان ووحدتها واستقرارها.