إمتلات افواه الشعراء بالعبارات التقليدية المستهلكة ، والتي قيلت في حقب لم يعايشوها اصلا ، ولكن من باب التقليد والسير على خطى الاولين ، يقوم كثير منهم بالاستفتاح بالعبارات الفعلية التي لم يقوموا بفعلها ، فبينما يقوم الشاعر بالسير بسيارته التي تعمل بالوقود تأتيه (الهجوس) الشعرية فيكتب (عدّيت المرقب اللي) هذا وهو يمشي بين طرق المدينة ، وقد يصاحب سيره اما توقف في (كوفي شوب) او في احد مطاعم المأكولات الايطالية والصينية او ماشابهها ، ليظهر لنا بعد إكمال بناء القصيدة (متشدقا) بأنه البارحة كان يعدي في (المرقب اللي) ، ان مثل ذلك لايستوي بعقل ، فأصحاب المراقيب الفعلية في هذا الزمن قليل ، وان صاحب الحضارة لاينبغي له ان يلبس ثوبا ليس ثوبه ، او ان يدعي افعال لاتتناسب مع ما يعيشه ويفعله في اجندته اليومية. ان بيئة الشاعر كما نعلم وكما كتب (ابن خلدون) في علم الاجتماع تظهر بجلاء في أنماط حياة الشخص فتظهر بالأحرى في مفردات الشاعر ومواضيعه ، فعندما يأتي احدهم امامي منشدا قصيدته التي تتفجر (جلافة) وانا اعرف انه لم يرقى الى رأس (مشراف أو مرقاب) ليدعي أيضا في قصيدته بإنه كان (يسبر القوم) مخافة الغزو ، فهنا نقول له رجاءا توقف ، واعطنا شيئا تستسيغه عقولنا، لاني كثيرا ما أخشى ان تهوي فوق رؤوسنا أسقف المجالس من حجم (الارانب) التي يصوّرها لنا البعض وينسبها الى نفسه ، ومن هذا المنبر اطلب من البعض ان يتحلى بالواقعية والمصداقية فيما يقول ويكتب لان الشعر لايجيز ولا يمنح الاستثناء في براءة كاتبه من واقعه الا في أضيق الحدود ، والأفضل لهؤلاء ان يستهل القصيدة بعبارة (عدّيت البرجر اللي ..).