ربما أنك متيقن من سمو ذاتك ، ولديك قناعة كاملة بأن الناس كلهم لو كانوا في مثل شيمك وصفاتك لسادت الدنيا قيم الخير والنبل والمثالية ، لكن واسمح لي وأنت في غمرة قناعاتك الذاتية عن نفسك أن أسألك هذا السؤال ؛ هل يراودك أحياناً شعور بأنك ربما في عيون الناس أبشع مما تظن ؟ هل شعرت ولو لمرة واحدة بأنك ربما قد تسببت في تألم شخص آخر بقصد منك أو بدون قصد ؟ هل تساءلت بينك وبين نفسك وقلت ربما أني ظالم مستبد ولكنك لا تدري على وجه التوصيف طبيعة هذا الظلم أو ذلك الاستبداد الذي توقعه على الناس ؟ هل تصورت يوماً أنك ذلك الشخص البغيض الذي تكرهه أنت !! بحيث لو خرجت من جلباب شخصك وأصبحت شخصاً آخر قدر له أن يتعامل مع شخصيتك الأصلية – التي أنت عليها الآن والتي أنت على يقين تام من نزاهتها وطيبتها وعمق الخير فيها – فإنه حينها لن يجد نفسه مضطراً لتوجيه لكمة على أنفك ؟ لا تستعجل في الإجابة عن هذه الأسئلة .. فليست مهمة كل الإجابات مهما توخيت فيها من الدقة والعدل والإنصاف ، لأن المهم هو أن تكون هذه الأسئلة حاضرة دوماً ، " فأشد الناس حماقة – كما يقول الشيخ أبو حامد الغزالي – أقواهم اعتقاداً في فضل نفسه ، وأثبتهم عقلاً أشدهم اتهاماً لنفسه " ، لذلك علينا جميعاً عدم الركون كثيراً لانطباعاتنا عن أنفسنا وحدها، فما من شخص إلا وكانت انطباعاته رهن ثقافته وأفكاره ومعتقداته ، مما يخلق في ذهنه ألف مبرر ومبرر لمعظم سلوكياته ، فالبشر ليسوا بالوضوح الذي تصوره لنا السينما والمسرح ، ممثلون يجسدون الشر وآخرون يجسدون الخير ، البشر في الواقع هم خلائط من الدوافع والمبررات والمعتقدات ، يتأثر كل فرد حسب تمازجها فيما بينها داخل ذاته ، فما تقوم به من أفعال وردود أفعال إنما هي نتاج المحفزات الجاثمة على وعيك ونمط تفكيرك والتي ربما لم تزل تصور لك سلوكك على أنها الخير والعدل والحق ، غير أن ذلك ليس بالضرورة مطابقاً لوجهة نظر غيرك ، والمعنى من كل ذلك أو خلاصة ما نود قوله .. إن رضاك عن نفسك لا قيمة له إن لم يكن هذا الحكم الذاتي متوجاً بآراء المحيطين بك، وأن الناس جميعهم بمن فيهم أنا وأنت لسنا أشراراً بالمطلق ولسنا أخياراً بالمطلق ، هناك جوانب نحاول أن نخفيها وأخرى يسعى كل منا لإبرازها وتضخيمها ، والذي يستحي غيرك من قوله لك عليك ألا تستحي من قوله أنت بين وبين نفسك . @ad_alshihri [email protected]