الشاهي يا جماعة الخير ليس مجرد مشروب يسكبه المرء عبر بلعومه وكفى.. الشاهي سفر عبر طيران المتعة الذهنية..وتحليق في أجواء رائقة لا يدركها كثير من خلقه ، يقول الشاعر : ما أحسن الشاي إذا فاحت لويزته كذاك نعناعه والعنبر اللدن فيه الفوائد من تهضيم مأكلنا كذاك قلب شجي ناله وسن ولأني أحد المليارات البشرية الذين ابتلاهم الله بعشق هذا المشروب فأني أجد نفسي مضطراً للتضامن مع طعمه الأصيل ، وعبقه العليل ، ونكهته الحقيقية التي لا تشوبه شائبة خاصة بعد تجارب عديدة مع ما يسمى اليوم ب ( شاهي الجمر ) ، وليسامحني الشباب الذين أؤكد لهم إجلالي لشخوصهم والمبدأ المقدس لعملهم المهني ، لكن هذا الإجلال لا أظنه يمنعني من قول أن الطريقة التي ينتهجها غالبيتهم في صنع ( شاهي الجمر ) طريقة خاطئة ، فالبعض يقوم بوضع أوراق الشاهي والسكر والماء في نفس الوقت ثم يضعه على نار الجمر حتى يغلي ثم يبدأ في سكبه للمارة حسب الطلب مع تركه للإبريق على الجمر حتى نفاده ليبدأ بتكرار الطريقة مع الإبريق الآخر وهكذا ، والبعض يضع أوراق الشاهي على الماء بعد غليانه لكنه لا يبعد الإبريق عن الجمر حتى وإن ظل فوقها من أول المساء وحتى منتصف الليل !! ومما لا شك فيه أن كلا الطريقتين غير صحيحة إطلاقاً ، وأعتقد أن ذواقة الشاهي في كل مكان في الدنيا لا يختلفون معي في هذه النقطة بالذات. وللفهم أكثر عزيزي صانع ( شاهي الجمر ) تخيل نفسك داخل ورقة الشاي الجافة.. تلك السوداء الملتفة على نفسها ، ستجد أمامك ملايين من الخلايا المحكمة ذات جدران سليولوزية صلبة، في الخلف منها تقبع مكونات الشاي العضوية وغير العضوية التي نستهدفها جميعاً حينما نرغب في احتساء مشروب الشاهي، والسبيل الوحيد لتحريرها من ذلك الحبس هو بوضع أوراق الشاي في ماء ساخن فقط ، لذا معظم صانعي الشاهي باحتراف يكتفون بوصول الماء لدرجة الغليان ثم يبعدون الإبريق عن مصدر اللهب ، وبعد ذلك مباشرة يضعون ورق الشاي بهدوء فوق الماء ولا يعيدون الإبريق مطلقاً للنار أو الجمر، مدركين أن سخونة الماء كافية لتحرير مكونات تلك الخلايا الشاهوية وهو ما يتطلب فقط التريث من( 3 – 5 ) دقائق قبل التمتع بنكهة الشاهي الحقيقية والأصيلة ، هذا للأسف ما لا يقوم به معظم صناع ( شاهي الجمر ) لدينا ، حيث يتركون الإبريق فوق النار بعد وضع ورق الشاي داخله ظناً منهم أن ذلك قد يجوّد الشاي ويحسن مذاقه ، وهم لا يدرون أنهم بهذه الطريقة يعملون على طبخ ( السليلوز ) النباتي وتهتيكه وتفتيته فيختلط طعمه مع طعم الشاي ويفسده ، وقد اكتشفت أن معظم زبائنهم من المراهقين الذين لم تسعفهم تجاربهم بعد لإدراك العلاقة الرقيقة بين الشاهي كمشروب ساخن وبين الشاهي كشغف جامح في عروق أدمغة المتيمين به أمثالي !! وفي ظني أن سبب تواري تلك العلاقة هو أدخنة الحطب والجمر التي غلفت النكهة برمتها في ذائقة أولئك الفتية.فهم يستمتعون بطعم أول وثاني أكسيد الكربون فقط لكنهم حتماً لم يستمتعوا بعد بلذاذة الشاهي التي يقول عنها أحد الشعراء: لذاذةُ الشَّاهِ ليسَتْ نفحةُ الشَّاهِ طِيبًا لديَّ ولا في طعمه الشَّاهي ولا بأكلٍ قُبيل الشّاه ذا دَسَمٍ من الطَّعام ولا باللهو باللاَّهي لكنْ لذاذته نَدْبٌ أفاكِهُهُ من كلِّ أروعَ أوّابٍ وأواهِ