يحاول السودان استعادة أنفاسه منذ السبعينات حينما كان إلى ذلك التاريخ مزدهراً وله صولات وجولات وكلمة مسموعة على كافة المستويات وعلاقات ناجحة متوازنة وشعب أصيل وتاريخ مجيد وتليد ولكنه ما زال إلى يومنا هذا في مرحلة الانعاش بسبب الصراعات السياسية وتقلبه مابين الانقلابات العسكرية والحكومات الحزبية بينما فشلت النخب المثقفة والواعية في حسم أمورها وتحديد مواقفها واكتفت كمعظم أبناء الشعب السوداني بالوقوف في خانة المتفرجين والجالسين على الرصيف في حين انخرط آخرون إما في معارضة مدمرة لا تعترف بأي حسنة لأي نظام أو في تعصب أعمى للسلطة الحاكمة يلغي الرأي الآخر تماماً. وبالطبع انعكس هذا على التنمية وعلى تدهور المرافق والخدمات والمشروعات القائمة وامتد الأمر إلى الانفلات الأمني وبالتالي فتح الباب للقوى الخارجية لتحرك الأحداث وتزيد النار اشتعالاً مما نتج عنه تحول أهداف الحركة الشعبية لتحرير السودان وانسلاخها عن مبادئها وارتمائها في أحضان أخرى ليبرز إلى السطح ولأول مرة في تاريخ السودان حق تقرير المصير الذي أدى بالفعل إلى انفصال الجنوب في التاسع من يوليو من عام 2011م ليكتوي بمصائب ومشاكل لا حصر لها بينما لم ينعم الوطن الأم بالأمن والاستقرار حيث تنشط الحركات المسلحة في بعض أجزاء ولايات دارفور وجنوب كردفان رغم انحياز مجموعات مقدرة للسلام ليبقى السودان في دوامة الحرب والنزاعات القبلية والجهوية والتدخلات الخارجية واستنزاف الموارد وتشويه صورته الطيبة النقية. الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير دعا في يناير 2014م لحوار شامل لإنقاذ السودان من الأزمات التي تحدق به بحضور رؤساء ما يقارب الثمانين حزباً سودانياً، بينهم رؤساء وقادة أحزاب معارضة وطرح عدة محاور غطت جوانب الحوار المثقل بقضايا الوحدة، الاقتصاد، الحريات والحقوق الأساسية، الهوية، العلاقات الخارجية، الحكم وبالتالي تنفيذ مخرجات الحوار استعدادا لوثبة وطنية شاملة ليتوافق الجميع من بعد على دستور دائم للبلاد. وكالعادة نكصت بعض الأحزاب المعارضة المشاركة على عقبيها بينما رفضت أخرى الحوار جملة وتفصيلاً متمسكة باسقاط النظام لا غير لتدخل البلاد في نفق مظلم تهب عليه رياح الكراهية والعنصرية البغيضة. وبين تعثر الحوار الذي استغرق أكثر من عام حتى الآن ولم تلح في الأفق بشائر تطمئن لها النفوس في أنه سيمضي إلى غاياته ليوحد الناس بحسم القضايا الخلافية والاتفاق على المسائل الجوهرية تأتي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أبريل القادم مشكلة صداعاً حاداً لكل الأطراف فالحزب الحاكم والاحزاب المشتركة معه في الحكومة متمسكة بإقامتها في موعددها المحدد سابقاً خوفاً من حدوث فراغ دستوري لا تعرف نتائجه ولكنهم في نفس الوقت لايبدون الجدية اللازمة والحازمة والحاسمة في التصدي للتحديات بالسرعة المطلوبة مما يعمق الجراح ويؤدي إلى استفحال الأزمات بينما المعارضون يحاولون قدر المستطاع افشالها وهم أكثر تشرذماً وتفككاً ولا يملكون القدرة على طرح بديل مقنع غير طريق الحرب وزعزعة أركان المجتمع واستغلال الاضطرابات والنزاعات التي قد تنشأ بين الفينة والأخرى لتستمر معاناة الوطن الزاخر بخيراته وتتواصل الانتكاسة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.