** كانت سهرة لم يكن لها أي تخطيط عندما دعا الصديق خالد أبو منذر بعض أصدقائه في "ليلة" مزهرة بأولئك الأخوة الذين كانوا خليطاً من الفنانين والأدباء والصحفيين وأهل الاعلام الاذاعي والتلفزيوني في احدى الاستراحات حيث تكشف للحضور ذلك الحضور الفني الغنائي الذي كان عليه هؤلاء الفتية حيث أعادوا الى الفن أصالته بعد أن امتلأت ساحته بذلك – الفن – الذي نسميه "بالصرقعة" أكثر منه أي شيء آخر فأنت لا تستمع الى كلمة لها معناها الواضح، ولا الى لحن له من مقومات الطرب ما يشدك إليه لكي تتابعه.. لكن هؤلاء الشباب استطاعوا أن يؤكدوا أن هناك أصواتاً قادرة على حمل الأغنية الجميلة المعبرة بصدق.. عندما استمعنا الى ذلك الفنان ياسر السقاف الذي فاجأ آذاننا بأول أغنية تسيدت الساحة لزمن طويل.. والملفت أنه أداها بشخصيته هو لا بشخصية مغنيها الأساسي عندما قال: ياريم وادي ثقيف … لطيف جسمك لطيف ماشفت أنا لك وصيف … في الناس شكلك غريب أنت المنى والأمل … في مهجتي لك محل يا من بحسنه اكتمل … ما ترحمون الحبيب يا ليت وصلك يعود … وأسعد بلثم الخدود يللي تشادي الورود … قلبي بقربك يطيب عبدك ضناه الغرام … ساهر وغيره ينام يا زين هذا حرام … لو صاح ماله مجيب ايه مقصدك في ضناي … الوصل غاية مناي بالله حقق رجاي … من يقصدك ما يخيب وبعد أن هيأ المستمع الى الانصات إليه أكثر وباهتمام أكبر انطلق في أغنيته الاخرى مستحضراً ذلك الفنان الذي أطلق عليه ايامها سفينة الالحان عبدالله محمد عندما ارتفع صوته في نغم صافي: هيَّجت ذِكراكِ حُبَّي .. وأستبدَّ بيَ الأنين وتفتَّتَ القلبُ المتيَّمُ .. في هواكِ أتشعرين أنا في دُجى الَّليلِ أُمنَّي..طرفي الباكي الحزين بخيالِ فاتنةٍ كغُصنِ البانِ .. كالدُرِّ الثمين لا أظنُّكِ تذكرين هل تذكُرينَ الفُلكَ مهدَ غرامِنا والموجُ يرقُصُ ضاحِكاً بجوارِنا والبحرُ في صمتٍ يداعِبُ فلكنا والبدرُ في تيهٍ يُبارِكُ حبَّنا وكأن هذه الدُّنيا مُلكُ يميننا لا أظنُّكِ تذكري ليتبعها بتلك الأغنية التي كانت عندما انطلقت قبل حوالى ثلاثين عاماً واحدة من الأغاني التي تسيدت الساحة الغنائية.. والحاملة في كلماتها تلك النصيحة عندما قال شاعرها بدر بن عبدالمحسن ولحنها عبدالله محمد: يا صاحبي ما في الهوى راحه أحذر تبيع القلب لجراحه مسكين من قال الهوى جنه يومين و يخيّب هواه ظنه و يقول ما في الهوى راحه .. يا صاحبي ليفاجئنا فنان آخر من هؤلاء الشباب الذين احتفظوا بنقاء الكلمة وبصفاء اللحن انه الشاب أنس حمظاظا الذي أخذنا في ذات السياق الفني الذي لم يخلطوه بهذه "الزفة" من الألحان الهوجاء عندما راح يردد في هدوء الواثق قائلاً: تصدق والا احلفلك .. عجزت بلساني اوصفلك نعيم الحب في وصلك .. وانت كريم من اصلك وشوف قلبي على يدي .. وهوه اغلى ما عندي وتبغى زياده في حبي ..اجيب لك قلب تاني منين فما كدنا نسترجع ذلك الزمان الذي قيلت فيه هذه الأغنية حتى أخذنا في غمرة الاندماج الى تلك الأغنية من مقام الحجاز والتي لحنها ذلك الفنان الأسمر الرشيق وكأن في يده – عصا نبوت – المزمار عمر كدرس: البُعدِ طال والنَّوى وحُبُّه جرح قلبي دوَّرت أنا على الدواء محد رحم حُبَّي بكيوا كثير أهلي وأحتاروا في أمري جابوا طبيب الهوى عسى يطيب جرحي قال الطَّبيب لأهلي لمَّا نظر حالي هذا المريض مسكين صعبان على حالي ضرباتِ قلبه تقول فارق حبيب سالي ماله دواء عِندي غير شوفة الغالي ليمضي بنا ذلك الشاب بصوته القوي المطواع لألحان أولئك الفنانين أمثال فوزي محسون ذلك الفنان ابن رمال جدة.. الساكن في أحيائها القديمة.. فأنت عندما تسمعه كأنك ترى وتسمع ذلك الهمس خلف رواشين العلوي أو أزقة حارة البحر التي نقلها الشاعر الجميل صالح جلال وهو يقول: سبحانه وقدرو عليك .. وخلوك تنسى احبابك ولابتسأل علينا خلاص .. قفلت في وجهنا بابك ولاعاد زله او طله .. يحق لكم لنا الله وسبحانه قدرو عليك .. ياعيني حظنا تعبان .. دا مهما نسوي مابيبان لو تحلف كتير ايمان .. مراح اصدق الحلفان نسيتنا واحنا في (جدة) .. ونسيت ايامنا الحلوه ولاعاد زله او طله .. يحق الكم لنا الله وسبحانه قدرو عليك .. سبحانه وصرتو كبار .. وصار ينقال لكم اشعار دا بكره تنزل الاسرار .. صبرك دا الفلك دوار نسيتنا واحنا في (جدة) .. نسيت ايامنا الحلوه ولاعاد زله او طله .. يحق الكم لنا الله وسبحانه قدرو عليك .. لنأتي الى اخر أولئك الفنانين المصرين على أن يكونوا حاملي ذلك النوع من الطرب الأصيل انه الفنان هاشم الجفري الذي أعاد لنا صوت الفنان عبدالله محمد عندما ارتفع صوته متسائلاً عن حبيبه الذي افتقده منذ زمن فراح يقول له: انت فينك يا حبيبي من زمان غايب علينا هوه فيه غيرك حبيبي ..؟ لو جفينا يا حبيبي أو نسينا ! الحنان عندك غريب .. قول لي قصدك يا حبيب و الغرام , يرجع لي ثاني ليه , ليه , ليه ؟ ليتبعها من نفس ألحان الفنان الكبير عبدالله محمد وهو يتساءل ما هو ذنبه الذي ارتكبه في حقه: ايه ذنبي ليه بس يا اسمر .. لحظك بحبك رماني ربي عطاك عينين تسحر .. والقلب قاسي منامي يا اسمر .. بدري عليك لا تكدر .. ياللي سمارك شجاني اسقيتني مر ما مر .. خلي هوانا تهاني يا اسمر .. قالوا الخطر قلت اخطر .. كلام كل من نهاني يا غصن بان ٍ تعذر .. قلبي لأجلك جفاني يا اسمر .. إن قال عذولي تصبر .. اصم ابكم تراني ومع أنه اصبح أصم وأبكم إلا أنه كان حيران فهو له سنة وهو في حيرته عندما انطلق في أغنيته حيران وليا سنة ليختتم هذا اللقاء بذلك الدعاء الفطري الذي يلهج به كل إنسان راجياً الرضا والعافية عندما قال: يا الله سألتك بحلات العقود تستر علينا الرضا والعافية عندها توقف بنا الزمن عند ذلك الزمن الذي مضى.. والذي استطاع هؤلاء الفنانين العودة بنا اليه لنعيشه ولو بالسمع والتلفت فقط. وبعد: كانت الفرقة المكونة من عازف قانون وكمنجة وايقاعين واحد كان على الطبلة وعلى رق صغير وآخر على الدف وكانوا في قمة الأداء العزفي مما حدا بالدكتور عبدالله مناع وكان أحد الحضور أن يذهب إليهم مبدياً عن اعجابه حيث قال لهم لقد أعطيتمونا احساساً بأنكم فرقة كاملة من عدة عازفين.