استعرض صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية العديد من الجوانب الإنسانية في حياة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله وحياته العائلية التي عدها مدرسةً يستفاد منها على مر الأجيال . ووصف سموه حياة الملك فيصل رحمه الله بأنها موسوعة من الإنجاز والعطاء لا يمكن اختصارها في أمسية واحدة. وعرج سموه على ذكر العديد من المواقف البطولية للملك الراحل رحمه الله في الغزوات والمعارك إبان توحيد المملكة العربية السعودية على يد جلالة المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز . وتطرق إلى أبرز مواقف الملك فيصل رحمه الله على الصعيدين الداخلي والخارجي التي كان لها أبلغ الأثر في وحدة الصف العربي والإسلامي تجاه المطامع الإسرائيلية في المنطقة . جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها سمو الأمير تركي الفيصل مساء أمس في جامعة طيبة بالمدينةالمنورة وكان عنوانها الملك فيصل القائد والوالد والإنسان وذلك بحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة المدينةالمنورة وصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد العزيز بن ماجد بن عبد العزيز . وقد أشار سمو الأمير تركي الفيصل في مستهل محاضرته إلى كلمتين للملك فيصل بن عبد العزيز ألقاهما في الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة في عام 1382ه وعام 1384 ه أشار في الأولى إلى قول الملك فيصل للحضور " لقد أسس هذا المعهد لا رياء ولا سمعة بل خدمة للمسلمين وأن على الدارسين مسئولية كبيرة وأن يكونوا دعاة خير" كما قال الفيصل رحمه الله في كلمته الثانية في نفس الجامعة " إن أمامكم شأناً طويلاً وأرجو التسلح بالعلم والمعرفة والدعوة إلى الله ومجادلة الكفار والمشركين بالتي هي أحسن حتى تلقنوهم الحجة وتحصلوا على الصبر " وقال الفيصل رحمه الله في ملاحظة أوردها بعد أن وصفه نائب مدير الجامعة الإسلامية سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله بأن الفيصل أمير المؤمنين فقال الفيصل " إنني لست بأمير المؤمنين ولم أصل إلى درجة خليفة المسلمين وإنني أعتز أن أكون خادم المسلمين وخادم المؤمنين وأرجو من الله أن أقوم بهذا الواجب " ثم استعرض الأمير تركي الفيصل مولد والده الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله في زمن تميز بشظف العيش وقلة الموارد وتوفيت والدته وعمره خمسة أشهر ثم تربى في كنف جده لأمه وقد تولى الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود تربيته ليشارك في أولى المعارك وعمره أحد عشر عاماً مع أخيه الملك سعود رحمه الله تحت قيادة والدهما وعندما انتهت المعركة وضع رأسه على صخرة صغيرة ليغط في النوم والتي قال عنها الفيصل بن عبد العزيز رحمه الله فيما بعد أنها ألذ نومه في حياته، وفي سن الثالثة عشر عاماً كلفه والده الملك عبد العزيز أن يمثله في مؤتمر باريس بعد الحرب العالمية وكان يعاني من مرض ورزقه الله بطبيب بريطاني وصف له الداء والدواء ثم كانت له مواقف تظهر فيها عزة النفس لدى الملك فيصل عندما تجاهله البريطانيون وعزم حينها على التوجه لفرنسا لكان أعاد المسئولين البريطانيين حساباتهم وأكرموا وفادة الملك فيصل، وفي سن السادسة عشر عاماً أخمد عصيان عسير واستطاع أن ينتصر ليستقبله المؤسس الملك عبد العزيز خارج أسوار الرياض، ثم بعد هذه الحملة كلفه والده بإدارة الحكم في الحجاز ورئاسة مجلس الشورى ومجلس الوكلاء وساهم الفيصل في وضع النظام الأساسي للحكم، ثم استعرض سموه الكريم ما جرى بين الإمام يحي حاكم اليمن وقيادة الملك فيصل الجيش السعودي لتحرير المدن المحتلة من قبل الجانب اليمني وروى بالتفصيل خروج الفيصل على رأس حملة ثانية سلك فيها طريق الساحل مروراً بالليث وحتى وصل جازان ثم دخل الحدود اليمنية واستخدم السيارات كوسيلة لنقل بعض الجنود والمعدات وكان عددها مائة سيارة في ذلك الحين وذكر الأمير تركي الفيصل قصة تحكي بطولة الفيصل ورباطة جأشه حيث كان مع عدد من رفقاءه يراجع عدداً من الأوراق وسمعوا صرير القذائف وهرب الجميع من الخيمة ما عدا الفيصل رحمه الله الذي واصل مراجعة الأوراق وعند انكشاف الدخان والأتربة رفع رأسه وقال " وين الربع ؟ " وقد تميز بذكاء خارق في تلك الحملة حيث كان يمر من وادي وأرسل العيون ليبلغوه أن عتاد الأعداء يتكون من بنادق ولخلفيته الحربية فقد علم أنه لا يمكن أن تصل الرصاص إلى بطن الوادي من أعلى الجبال وحينها مشى في الوادي وأطلق الأعداء الرصاص لكن لم يصب أحد بأذى فقد صدق توقعه رحمه الله ليصل إلى الحديدة على السواحل اليمنية . واستطرد الأمير تركي الفيصل بأن هذه لمحات تعبر عن صفات الفيصل وتجسد معاني الثبات والرحمة بالأبرياء حيث أرسل العيون وأخبره أحدهم بأن إحدى المدن اليمنية ليس بها جنود فصفعه الملك فيصل وادخله الخيمة ثم اعتذر له الفيصل قائلاً بأنه يخشى إن علم الجنود بهذا الأمر أن يعيثوا في المدينة وينهبوها وأنه يود دخولهم بانتظام وهذا ما حدث. وأشار الأمير تركي الفيصل إلى أن هاجس الملك عبد العزيز منذ تأسيس المملكة هو تخليص العالم العربي من الاستعمار حيث أن أربع دول عربية تتمتع بالاستقلال وهي السعودية وتركيا وأفغانستان واليمن ،وعين وقتها الفيصل عام 1948 كأول وزير للخارجية وقام بجولات مكوكية وزار اثنا عشر دولة منها بريطانيا وايطاليا وبولندا والاتحاد السوفيتي وفرنسا ثم تركيا وأفغانستان وإيران والعراق وكانت القضية الفلسطينية الشغل الشاغل لقيادة هذا الوطن منذ عهد المؤسس. وفي عام 1362 ه وبعد الركود الاقتصادي وتوقف الحجيج عن الذهاب إلى المشاعر المقدسة تعرض المواطن السعودي لشظف العيش واستقل طائرة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكانت حينها الحرب العالمية الثانية على أشدها فاتجهت الطائرة من جدة إلى السويس ثم القاهرة ثم كمبالا ثم النيجر مرورا بالسنغال ثم جزر المحيط الأطلنطي ثم فلوريدا ثم الوصول إلى واشنطن واستغرقت الرحلة أسبوعا كاملاً ،واجتمع الفيصل بالرئيس الأمريكي روزفلت وكانت بداية العلاقات بين الجانبين ونتج عن تلك الاتفاقية مساعدات تنموية وتجارية وتابعها الفيصل بنفسه. وأضاف الأمير تركي الفيصل أنه بالرغم من تلك الظروف الخارجية لم يتوانى الفيصل عن متابعة شؤون الداخل وتجول في الحجاز بحكم إدارته لها لمعرفة شؤون المواطنين وما يهمهم ثم بعد وفاة المؤسس تولى ولاية العهد في عهد أخيه الملك سعود رحمه الله ورئاسة مجلس الوزراء وينوب الملك وكان عضداً لأخيه يتابع سير الأمور بالدخل والخارج. وأضاف الامير تركي الفيصل أن الفيصل رحمه الله كان يتصف بدقة مواعيده والتزامه بالوقت ويتخير الوقت المناسب للقاء الناس ويحرص عليه أشد الحرص ويحب التوفير وخاصة في المال العام ووضع الانظمة الصارمة للحفاظ عليه واستعرض قصصاً من توفيره رحمه الله، وكان يتميز باسلوب التنبيه دون الجزم والتوبيخ وكان يتخير ألفاظه الحسنة ويتجنب ما قد يسيء للآخرين وأكد سموه أن الملك الراحل رحمه الله جاهد نفسه وتغلب على نزعاتها وزهد بالدنيا ونال الشهادة من ربه . وأعاد سموه الأذهان إلى آخر لقاء صحفي أجراه الملك فيصل رحمه الله الذي تمنى فيه أن تصبح المملكة مصدر إشعاع للإنسانية. وقال سمو الأمير تركي الفيصل إن أمنية الملك الراحل فيصل رحمه الله تحققت في هذا الزمان في ظل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهد الأمين وسمو النائب الثاني حفظهم الله فيما وصلت إليه المملكة العربية السعودية من تقدم ورقي ومكانة مثلى في خدمة الإنسان والإنسانية مواصلين ما بدأه الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ومن بعده أبناؤه الملوك البررة رحمهم الله. وكان للمرأة حضور في تاريخ الملك فيصل وحياته فقد كان من أشد المناضلين والداعين لتعليم المرأة وتثقيفها وبذل في ذلك الجهد الكبير ويكن لها الاحترام والتقدير فساهم في تأسيس الجمعيات الخيرية في كافة مناطق المملكة وساهم في إنشاء كلية التربية للبنات في الرياض لتكون باكورة تعليم البنات في المملكة وما تبع ذلك من مؤسسات تعليمية للمرأة ، مشيراً سموه إلى أن من يقف خلف تنيظم المعرض ( شاهد وشهيد ) وبذل المجهود الاكبر حفيدات الملك فيصل، موجهاً سموه شكره وتقديره الخالص لصاحبة السمو الملكي الأميرة نهى بنت سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز حرم أمير منطقة المدينةالمنورة على ما توليه من جهد وعناية وكات الداعم الأكبر لهذا المعرض المقام في المدينةالمنورة. وفي نهاية المحاضرة فتح المجال لاستقبال مداخلات الحاضرين والحاضرات اللاتي نقلت لهن المحاضرة عن طريق الدائرة التلفزيونية المغلقة وأجاب عليها سموه . وكان الحفل الخطابي المعد بهذه المناسبة قد بُدء بتلاوة آيات من الذكر الحكيم . ثم ألقى معالي مدير جامعة طيبة الدكتور منصور بن محمد النزهة كلمة بهذه المناسبة رحب فيها بأصحاب السمو الملكي الأمراء والحضور . وقال إن جامعة طيبة تتشرف بأن تتعاون في تنظيم معرض الملك فيصل .. شاهد وشهيد مع إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الذي تعد منطقة المدينةالمنورة محطته الرابعة بعد أن أُقيم في عدد من مناطق المملكة. وأضاف إن جامعة طيبة ومنسوبيها يشرفها إلقاء الضوء على تاريخ الملك فيصل رحمه الله من خلال المعرض الذي دشن مساء السبت الماضي واليوم نحتفل بصاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل الذي سيلقي محاضرة تتناول الكثير من الجوانب التاريخية والإنسانية في حياة الملك الراحل رحمه الله. وشكر معالي مدير جامعة طيبة سمو أمير منطقة المدينةالمنورة على رعايته لهذا الحفل وغيره من المناشط والفعاليات التي تقيمها الجامعة التي تلقى دعم ورعاية سموه بشكل مستمر، ثم قدم معاليه سيرة المتحدث صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن فيصل بن عبد العزيز حيث أشار إلى تقلد سموه للعيد من المناصب ومنها عمله كمستشار في الديوان الملكي ثم رئيساً للاستخبارات السعودية حتى عام 2001م ثم سفيراً للمملكة إلى المملكة المتحدة وايرلندا ثم في عام 2005 عين سفيراً للمملكة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وسموه عضو في عدد من الجمعيات في الداخل والخارج ورئيس مجلس إدارة الملك فيصل الخيرية. وعقب المحاضرة قدم معالي مدير جامعة طيبة بالمدينةالمنورة الدكتور منصور النزهة درعاً تذكارياً لسمو الأمير تركي الفيصل. ثم تناول الجميع طعام العشاء . حضر المحاضرة وكيل إمارة منطقة المدينةالمنورة المكلف إبراهيم بن مزيد الخطاف وقائد منطقة المدينةالمنورة اللواء الركن عبد الله بن محمد العامر ومعالي أمين منطقة المدينةالمنورة المهندس عبد العزيز بن عبد الرحمن الحصين ومعالي مدير الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة الدكتور محمد بن علي العقلا ومدير شرطة منطقة المدينةالمنورة اللواء عوض السرحاني ورجال الإعلام والفكر والأدب بالمنطقة وأعضاء هيئة التدريس وطلاب جامعة طيبة .