المبدعون قد يبعدون..وأعداء النجاح يتربصون بهم والأوطان تخسر كثيراً من سوس الحسد والتربص الحاقد والتسلق إلى مراتب المجدين.ونقصد هنا الإبداع الحقيقي للعلماء والباحثين والمفكرين والمبتكرين والموهوبين وليس كما رسخ في أذهاننا أنهم أهل الفن من مطربين ومطربات. في سوداننا تختزن ذاكرتنا تجربة واحدة نذكرها بالخير في هذا المقام هي تجربة الفترة الانتقالية بعد الاطاحة بنظام جعفر نميري, رحمه الله ، في عام 1985م حينما التزم المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب رئيس المجلس العسكري بصفته أعلى قادة الجيش في تلك الفترة بتسليم السلطة كاملة للحكومة المنتخبة في الموعد المحدد وقد أوفى بوعده فنال التقدير والاحترام إلى يومنا هذا أما ما عدا ذلك فقد ودعنا قسراً مبدعين أحببناهم لأنهم عملوا من أجلنا فكان مصيرهم غير ما أردناه لهم. مثلاً في زمن حكم الأحزاب بعد الانتفاضة الشعبية كان الدكتور محمد يوسف أبو حريرة ,رحمه الله, وزيراً للتجارة وعندما تلاعب تجار المواشي والسماسرة بالأسعار في بلد على أرضه ملايين الرؤوس من الأنعام وقف في وجوههم فحاربوه فاتخذ قراره الجريء والشجاع باستيراد اللحوم من نيوزيلندة وأستراليا، لتباع بالتسعيرة التي رآها مناسبة ولكنه في نهاية المطاف دفع دفعاً للاستقالة من الوزارة وحتى من حزبه..ولكنه سجل اسمه في ذاكرة التاريخ الإنساني. وحالياً يواجه الطبيب البارع البروفيسور مامون حميدة وزير الصحة بولاية الخرطوم هجوماً لم ينقطع من بعض عناصر المعارضة والحاقدين والفاشلين والمصيبة أن بعض معارضيه من نفس وسطه الطبي وكل ما في الأمر أن جوهر سياسته توزيع الخدمات الطبية لتشمل كل أطراف العاصمة المثلثة (وهي مدن الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان) حتى لا يتكبد المرضى المشاق بالتوجه إلى وسط العاصمة حيث تتكدس المنشآت العلاجية. أما والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر فمهما اجتهد ليلاً ونهاراً ووضع الحلول لمشاكل الولاية العويصة فهو محل نظر من فئات كثيرة. ويبقى الدكتور عبد الحليم اسماعيل المتعافي وزير الزراعة السابق في العهد الحالي ومهما قيل عنه فإنه أول من أدخل زراعة القطن المحور وراثياً في السودان والذي أثار ضجة كبيرة.. واليوم بعد إقالته يتحدثون عن نجاح منقطع النظير لمحصول القطن المحور وراثيا في موسم هذا العام. هذا الرجل العالم كان وما زال دائم الابتسام في وجوه من يقابلهم ولكن البعض لم يرحمه وقد تفننوا في وصف ابتسامته التي كانت سبب غيظهم في منحى ليس خيَّراً على الإطلاق. وغير هؤلاء..هناك من أطيح بهم ومنهم من ينتظر ويوشك أن يعصف به.. وعموما ما أن يحب الشعب السوداني ويقدر مسؤولاً لانحيازه إليه وإخلاصه في خدمته حتى يبعد غالباً عن موقعه إلى مكان آخر أو إلى بيته..ومصلحة الوطن قد تكون أحياناً أبعد شيء في نظر بعض السياسيين الذين لا يرون غير التشبث بالكراسي أو المعارضين الذين يقودهم تطلعهم الجامح للجلوس عليها.