درج منذ القدم عند الشعوب استخدام كلاً منهم لمصطلحات مستنبطة من لغاتهم الرئيسية،وتحورت تلك المصطلحات حتى نتج عنها مايعرف باللهجة الدارجة ، ولكن هذه اللهجة تعتبر قاصرة ولا تفي بالغرض عند التعبير ، فعلى سبيل المثال تعتبر لهجات الشعوب العربية لهجة تستخدم للتخاطب فقط ولا تُسعف صاحبها للتعبير الوافي والشرح الكافي للمواقف، فهي لا تعترف بقواعد النحو والصرف ولا تحتوي على جماليات اللغة البلاغية الا في بعض الجوانب منها. ويُعدّ الشعر العاميّ أرقى أنواع الكلام فيها وأبلغه، فهو رغم عدم إنتمائه الى الخصائص اللغوية وإتباعه لها يعتبر ُ شاملاً وكافياً لسبك الصور وترجمتها، والتعبير الوجداني الجميل. إن المُلاحَظ من خلال قراءتي لكثير من الابيات بإن الشعر العامي لايعترف بالتنوين الظاهر على اخر الحروف ، بل تُنطق غالبية الكلمات فيه بالسكون في اخرها، ولو تمت المقارنة بين الشعر الفصيح والعامي لوجدنا ان الفصيح يتفوق على العاميّ بالموسيقى وفي التبيان وهذا يعود للدقة المتناهية في ضبط الحروف بالشكل الصحيح ، وحركة اللسان حين نطق الكلمات من مخارجها الصحيحة،وانه من الظلم في الأصل ان يتم المقارنة بينهما ولكن من باب التفريق نلحظ ماسبق ذكره . فالشاعر العاميّ لايقف أمامه حكم اللغة من حيث تنوين الكلمات،ولا يخاف الوقوع في الأخطاء النحوية الشائعة وهي مايُعرف (باللَحن)، فهو يقوم بقطف الكلمات المتواردة على فكره وتوظيفها دونما أدنى ملاحظة لوضعها الإعرابي ، وهي تعتبر مزية للشعر كشعر وخللاً في اللغة كقصور نحوي. رغم جميع ماسبق فإن الشعر العاميّ هو كلامٌ قويم نعيشه ونتنفسّه جميعاً فهو رايةٌ من اهم الرايات الثقافية لدى العرب جميعا، وعلامةٌ فارقة أضفت على ثقافتنا كثيراً من الجمال المتناهي في الخروج باللهجة بمظهرٍ لائق،ولعلّ الجميع متفق على ان أوفر واغزر لهجة دارجة كُتب بها الشعر بإحكام هي لهجة عرب شبه الجزيرة العربية الذين سطرو ثقافتهم جمالاً رغم شُحّ العيش الذي عاصروه، وما اجمل الشاعر بديوي الوقداني رحمه الله حين قال: الارض لله نمشي في مناكبها والله قدر لنا أرزاق وآجالي حث المطايا وشرِّقها وغرِّبها واقطع بها كل فجٍّ دارسٍ خالي واطعن انحور الفيافي في ترايبها وابعد عن الهم تمسي خالي البالي من كل عمليةٍ تقطع براكبها فدافد البيد درهامٍ وزرفالي تبعدك عن دار قومٍ ودار تقربها واختر لنفسك للمنزال منزالي