قبل نحو عامين قامت شركة محرك البحث العملاق غوغل بافتتاح "مجمَّع غوغل" في مدينة العلوم والتكنولوجيا "تيك سيتي" الواقعة شرقي العاصمة البريطانية لندن، وذلك في أحدث المحاولات الرامية لتعزيز التعاون بين شركات التكنولوجيا الناشئة وأصحاب رؤوس الأموال. يقع المبنى ذو الخمسة طوابق قرب "دوّار السليكون" حيث تقوم الحكومة البريطانية وشركات خاصة بتوفير مساحات للايجار. وهذه هي محاولة لتقليد تجربة "وادي السليكون" في ولاية كاليفورنيا الأمريكية حيث تتمركز الشركات الكبرى في تكنولوجيا المعلومات مثل غوغل نفسها، فيسبوك وأبّل. يقول "إيزي فيدرا" من شركة غوغل: "هذه المساحة رائعة وأعتقد أن الكثير من الأشياء الساحرة ستحدث هنا". ويضيف: "حتى الآن، لم يتوفر مكان للقاء كهذا، حيث يلتقي أصحاب الشركات الناشئة مع بعضهم البعض أو مع المستثمرين". والفكرة المنطقية من وراء إنشاء "مجمَّع غوغل" مشابهة لمبدأ "تيك ستي" وهو أن شركات التكنولوجيا تنتفع كثيرا من وجودها قرب بعضها البعض. يقول إريك فان دير كلاي، المدير التنفيذي لمؤسسة "تيك ستي" للإستثمارالحكومية، إن السر يكمن فيما يسميه "التصادم"، لا سيَّما أن "وجود العديد من الشركات الناشئة و المستثمرين في مكان واحد يؤدي إلى حدوث هذا التلاقي الرائع الذي يولِّد الإبداع و يخلق الفرص." مشروع "تيك ستي" لم يكن دعم الشركات الناشئة هذا ممكناً بدون وجود اهتمام من الحكومة البريطانية التي تعمل على خلق "مجمَّعات" مشابهة لهذا في أماكن أخرى من المملكة.وقال فينس كيبل، وزير شؤون الأعمال في الحكومة البريطانية، في رسالة سربت للإعلام في فبراير/شباط الماضي "إن على شركات التكنولوجيا الرائدة دفع النشاط الاقتصادي في المستقبل"، مضيفاً بأن للصناعات الرقمية "فرصا محتملة هائلة". و كان أحد استثمارات الحكومة هو دعم "تيك ستي". وبشأن ما إذا كان من الضروري دعم مجمَّعات شركات الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات بينما تقوم الشبكة العنكبوتية نفسها بدور كبير في تسهيل الاتصالات بين أماكن متباعدة جغرافيا، يقولكلاي: "إن المجمَّعات مهمة طالما كان من الصعب جدا، حتى مع وسائل الاتصال الأكثر تقدما، تحقيق ما يمكن إنجازه من خلال التواصل المباشر". "مستنقع السليكون" تشكل تجربة شركة بريطانية في مجمَّع آخر يدعى "مستنقع السليكون" نجاحا يأمل وزير الأعمال البريطاني بتقليده. وتقوم شركة آرم هولدينغ (ARM Holding) في مدينة كامبريدج بتصنيع المعالجات الصغيرة والمستخدمة بشكل كبير في أجهزة الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية. ويقول وارين إيست، المدير التنفيذي لشركة آرم هولدينغ إن بإمكان الحكومة تشجيع مجمَّعات التكنولوجيا هذه على النمو، لكنه يضيف بأن هذه عملية تحدث بشكل طبيعي. ويردف قائلا: "الأمر المهم الآخر، والذي تستطيع الحكومة فعله، هو تعزيز ثقافة التشجيع والاحتفاء بنجاح شركات التكنولوجيا البريطانية." "وادٍ معزول" بالإضافة إلى قصص النجاح، شهد قطاع التكنولوجيا المتطورة في بريطانيا بعض الإخفاقات. ففي بلدة إيست كيلبرايد الواقعة جنوبي مدينة غلاسغو في اسكتلندا يقف المبنى القديم لمصنع شركة موتورولا في منطقة تعرف "بوادي السليكون المعزول". أمَّا الآن، فلا علامات للحياة في هذا المصنع سوى هدير مولد الكهرباء، بينما يعمل بعض العمال داخل شركة كانت في يومٍ من الأيام تشغّل الآلاف من البشر. ولكن بجانب هذا المصنع، تقوم شركة "فريسكيل (Freescale) بتشغيل 180 شخصا في تصميم أنظمة التحكم بالسيارات. وبينما يعرض آندي بيرني من الشركة لوحة تحكم رقمية، يتفق بيرني مع شركة غوغل في أن وجود شركات التكنولوجيا إلى جانب بعضها البعض يوفر العديد من الفرص. و يضيف: "من الصعب الإبداع بينما تتحدث على الهاتف ومن الصعب الإبداع فقط من خلال الإنترنت. لذلك هناك حاجة لوجود أشخاص ذوي مهارات مكملة لبعضها البعض في مكان واحد." وادي الزمرد المقارنة بين هذه الشركات الصغيرة نسبيا وعمالقة وادي السليكون في أمريكا تبدو مبالغا فيها. لكن المجموعة التي تدير وادي الزمرد في بلدة نيوري في إيرلندا الشمالية تؤمن بأن الشركات الصغيرة تستطيع أن تحقق النجاح. وتقول منسقة المشروع نيكولا بيتس: "لن نقوم ببناء شركة مثل غوغل، لكن ينبغي علينا أن نركز على الأشياء التي نجيد صنعها." ويبدو مكتب وادي الزمرد بطرازه المعماري القديم مختلفا جدا عن "مجمَّع غوغل" في شرق لندن. لكن كلا المبنيين يشتركان في السعي لتحقيق نفس الهدف. مثلا، تستخدم في وادي الزمرد المساحة الواسعة لعقد اللقاءات بعد أن كانت في يوم من الأيام منزلا للاستحمام. وفكرة وادي الزمرد مبنية على نجاح شركة محلية صغيرة، حيث يعمل المشروع الحالي على تكرار هذه النجاحات. فقد قامت شركة وادي الزمرد بتخصيص مساحة لشركات التكنولوجيا المحلية الصغيرة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. أمَّا الآن، فيمتلئ المكان بممثلي شركات التكنولوجيا الناشئة. وفي مواجهة تهكم البعض، تقول بيتس إن الصناعات الرقمية تعتمد على شيء أساسي: "إن كان لديك اتصال بالإنترنت، فهذا يعني أنك على اتصال بالعالم.