تكشف برامج الدعم والتأهيل النفسي ارتفاعا كبيرا في معدلات الاضطرابات النفسية المُركّبة لمن فقدوا أبناءهم ولمن تعرضوا لمشاهد صادمة وقت الحرب في غزة. الطفلتان الشقيقتان شيماء وحلا الأعرج امتنعتا عن تناول الطعام، لكن سرعان ما بدأت حالتهما تتحسن بعد إخضاعهما لجلسات فردية ضمن تنفيذ برنامج للدعم والمساندة يسمى (الإسعاف النفسي الأَولي). وعن هذه الحالة تقول الأخصائية فداء عمر: «الفتاتان تعرضتا إلى صدمات نفسية نتيجة مشاهد صادمة في الحرب ارتبطت بمشاهد قتل ودمار وغارات متكررة طالت منزلهما وقت تناول طعام الإفطار في شهر رمضان». وتضيف الأخصائية النفسية أنها تنفذ برنامجا نفسيا يقدم أنشطة وإسعافا نفسيا بشكل مستمر بعنوان «مكتبة ألعاب برعاية فرنسية.وبدا على الفتاتين اللتين الرهبة في بداية الأمر، لكنهما أشارتا إلى أنهما تشعران بأمان من خلال أنشطة اللعب «نشعر بارتياح ونأكل الآن الطعام ونتمنى أن نلعب طوال اليوم بعد أن انتهت الحرب». تفاعل مع فريق المختصين عشرات الأطفال يلهون ويلعبون ضمن فعاليات أنشطة نفسية تتخللها قصص وألعاب ورسومات، أجواء تعالت فيه الضحكات في حالة مرحة نَشطة. مشهد لفريق مختصين في الصحة النفسية ل «حملة البيت الآمن– معكم نصنع الابتسامة من جديد». محمود البراغيتي مدير الحملة يفسر هذا المشهد: «نهدف لتخفيف الضغوط النفسية وإعادة التوازن والتوافق النفسي وإعادة تفعيل الطاقة وتقليل سلوك العنف لدى الأطفال». * آلاف العائلات بلا مأوى ويحرص البراغيتي وأعضاء حملته على تثقيف الأهالي على آلية التعامل مع الأطفال وإدارة الأزمات. ويتعاون الفريق مع مختصين آخرين ويقومون بزيارات للمنكوبين والنازحين في مراكز ومدارس الإيواء ومنازل العائلات المتضررة. «نقدم لهم التفريغ النفسي والانفعالي والاستشارات النفسية خاصة الأمهات، ونعيد لهم التوافق النفسي مع أنفسهم ومع المحيط الاجتماعي، لكن الحدث أكبر من التعامل بهذه الأنشطة النفسية» هكذا يرى البراغيتي مضيفا: «ضمن الخطة تم استدراك الأمر بزيارات عدة ولمسنا تجاوبا وتفاعلا من الأطفال والأهالي». وتندمج الطفلة منار حلس (11عاما) مع الأطفال وفريق المختصين بعد أن كانت مُعرِضة عن الطعام أيضا وتقول «أنا وأختي بنلعب كل يوم وفرحانين علشان الحرب خلصت». أزمات نفسية يمتد علاجها إلى أشهر الوضع الأمني وقت الحرب كان عائقا كبيرا لا يسمح بالتنقل لتنفيذ برامج الأنشطة والجلسات لأهالي المنكوبين. وسيم شعت (9 سنوات) فقد ثلاثة من أشقائه بعد تعرض منزله لقصف، فضلا عن تعرضه لإصابه مما اضطر الأطباء لاستئصال طحاله. أصبح وسيم يعاني من سلوك عدواني وانطواء وبطء في الكلام وعدم الاندماج مع المجتمع. ويشير الأخصائي النفسي محمد الدعالسة إلى حالات «صعبة ومركبة» تحتاج إلى جلسات وحملات دعم وأنشطة نفسية واجتماعية مكثفة لفترات زمنية علاجية طويلة الأمد «تمتد لأشهر لبعض الأهالي والأطفال الذين تعرضوا بشكل مباشر إلى فقدان أبنائهم ومنازلهم، وهنالك حالات تجد صعوبة في التأقلم وتعاني من مشكلات سلوكية». *اضطرابات نفسية تلهو وتلعب الطفلة جمانا الخريبي (9 سنوات) بشكل لافت، ضمن مجموعة أطفال يخضعون إلى برنامج نشاط علاجي نفسي يستخدم المختصون فيه «البراشوت» يلتف حوله الأطفال باعتباره مكانا آمنا، ومن خلاله يمارس الأطفال نشاطات كالرسم والموسيقى وحوارات ومناقشات جماعية للأطفال. الطفلة آلاء أكرم (7 سنوات) تلتف حول»البراشوت» تمسكه بيديها الصغيرتين، وتضحك بصوت مرتفع. ووفق فداء عمر «كانت آلاء تعاني من نوبات بكاء مستمر وحالة انعدام ثقة بالمحيط، سرعان ما تحول المشهد إلى اندماج مع الأطفال وتحسن في حالتها». ويوضح لDW عربية الأخصائي النفسي زكريا عامر أشكال الحالات النفسية لدى الأطفال نتيجة الحرب التي تم اكتشافها والتعامل معها مثل (التبول اللاإرادي- قضم الأظافر- الخوف- الفزع الليلي- الخجل- الانطواء- اللزمات- اضطرابات النطق- السلوك العدواني- عدم التركيز والتشتت). *بيئة غير سليمة بالنظر إلى النتائج الأولية إلى التقارير الواردة من حملات الدعم والتأهيل والإرشاد النفسي، بعد وقف الحرب، يتضح الحجم الكبير من أزمات وصدمات نفسية أصابت شرائح المجتمع بدرجات وأنواع متباينة، وفق وصف الطبيب في الصحة النفسية محمد سليم. وتكشف «نشاطات حملات الدعم القليل من أعراض الأزمات النفسية لأهالي غزة بسبب الحرب، خاصة الأطفال، لذا يتطلب الأمر استمرارها للمساهمة في كشف المزيد من الحالات لعلاجها وتصويبها وإعادتها إلى التوازن الطبيعي». ويري الطبيب سليم أن الحرب الأخيرة تختلف عن الحروب السابقة في غزة، إذ «ألحقت ضررا كبيرا جدا في السلوك النفسي لدى المجتمع، بسبب ارتفاع أعداد الضحايا والجرحى وعشرات آلاف المنازل المدمرة. وكلما زاد ارتفاع العنف ساءت وارتفعت معدلات ما بعد الصدمة».