تختتم اليوم الخميس بقصر المؤتمرات بجدة أعمال الدورة ال 41 لمؤتمر مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذي تستضيفه المملكة التي بدأت أمس تحت عنوان (استشراف مجالات التعاون الإسلامي) بحضور فخامة الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين ، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية رئيس الدورة الحالية, ومعالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الأستاذ أياد بن أمين مدني التي تستمر يومين بمشاركة الدول الأعضاء. وكان المؤتمر الوزاري قد استهل اجتماعاته أمس الأربعاء بتلاوة آيات من القرآن الكريم. ثم ألقى معالي وزير خارجية غينيا رئيس الدورة ال 40 لمؤتمر مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لونسي فال, كلمة أكد في مستهلها أهمية العمل الإسلامي المشترك وتعزيز أوجه التعاون, والتركيز على سياسة الدول الأعضاء, ومواجهة الظواهر التي تواجه العالم الإسلامي. وشدد على ضرورة الاهتمام بتطوير البنى التحتية لتعزيز الاقتصاد الإسلامي وتحقيق رؤية التعاون الإسلامي الذي يعتبر شرطاً أساسياً لمواجهة التقلبات التي تشهدها المنطقة, منوهاً بالتركيز على تكثيف المجهودات التي تضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي, ومبرزاً في ذات السياق أدوار منظمة التعاون الإسلامي البالغة التي أنشئت في عام 1969م, وتضم في عضويتها 57 دولة عضواً موزعة على أربع قارات. ولفت وزير خارجية غينيا إلى أن منظمة التعاون الإسلامي هي الصوت الجماعي للعالم الإسلامي وتسعى لصون مصالحه والتعبير عنها تعزيزاً للسلم والتناغم الدوليين بين مختلف شعوب العالم, مشيراً إلى أن المنظمة يمكن أن تستفيد من ثقلها السياسي والإسلامي في تلبية متطلبات العصر الحالي. وأشاد بالسياسة الحكيمة لصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية, التي مكنت المنظمة من المضي خطوات موفقة نحو أهداف الدول الأعضاء. إثر ذلك ألقى صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية رئيس الدورة الحالية لمؤتمر مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي كلمة نقل خلالها للجميع تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله - وتمنياتهما لأعمال الدورة كل التوفيق والنجاح. وعبر سموه عن سعادة المملكة العربية السعودية بإستضافة أعمال الدورة ال 41 لمؤتمر مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي وقال : يحدونا عظيم الأمل ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك في أن تسهم هذه الدورة في تعزيز العمل الإسلامي المشترك في كافة جوانبه ومناحيه. ووجه سموه شكره وتقديره لمعالي وزير خارجية جمهورية غينيا رئيس الدورة ال 40 للمجلس نظير جهوده طيلة رئاسته للدورة السابقة ومعالي الأمين السابق لمنظمة التعاون الإسلامي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلي على ما بذله من جهود طيبة طيلة عمله أمينًا عامًا للمنظمة متمنيا لخلفه الأستاذ أياد أمين مدني التوفيق والسداد , مؤكداً لمعاليه استمرار دعم المملكة ومؤزراتها لجهود الأمانة العامة لتحقيق أهداف امتنا الإسلامية. وقال سموه : نجتمع اليوم على خلفية تطورات ومستجدات عمت أرجاء عالمنا الإسلامي وبالذات البلدان في منطقتنا العربية والتي ما زال البعض منها يعاني من حالات الإضطراب السياسي والأمني في حين تمكن البعض الآخر من سلوك الطريق الذي نأمل أن يعيد لها أمنها واستقرارها وينقلها إلى مرحلة البناء والنماء. وأكد سمو وزير الخارجية أن المملكة اتخذت موقفًا ثابتًا تجاه جميع البلدان الشقيقة التي خاضت غمار الإضطراب السياسي والعنف الداخلي الذي عصف بها قوامه الدعوة إلى نبذ الفتن والفرقة وتلبية المطالب المشروعة لشعوب هذه البلدان وتحقيق المصالحة الوطنية بمنأى عن أي تدخل أجنبي أو أجندات خارجية والحيلولة دون جعل هذه البلدان ممرًا أو مستقرًا لتيارات التطرف وموجات الإرهاب. وأضاف:المملكة العربية السعودية التي يسعدها استضافة مؤتمركم في هذه الحقبة الدقيقة المتخمة بالتطورات والمتغيرات تجد في هذه المناسبة الطيبة ما يتيح لها التأكيد على ضرورة توحد الصف وتكثيف الجهد من أجل الخروج بنتائج تسهم في معالجة الأزمات التي تعصف بمنطقتنا على النحو الذي يعيد لها الإستقرار ويساعد على دفع عملية التنمية الإجتماعية والإقتصادية فيها. وأبرز سمو وزير الخارجية ما جسده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - لمفهوم التضامن والتعاضد بين الأشقاء العرب والمسلمين من خلال دعوته لعقد مؤتمر أشقاء وأصدقاء مصر للمانحين لمساعدة هذا البلد الشقيق في التغلب على التحديات الإقتصادية الكبيرة التي يواجهها لا سيما بعد أن قال شعب مصر كلمته وأختار قيادته لتقود بلاد نحو مستقبل زاهر ومستقر. وأشار إلى أن موقف المملكة المساند لمصر ينطلق من شعورها العميق بأن استقرار جمهورية مصر العربية ركيزة لإستقرار العالمين العربي والإسلامي , متمنياً أن يخرج هذا المؤتمر بموقف قوي يشجع أشقاء وأصدقاء مصر على الإستجابة لهذه الدعوة والمشاركة بفعالية في أي جهد يعيد لمصر دورها العربي والإقليمي في المنطقة. وقال سمو الأمير سعود الفيصل:لا أجدني بحاجة إلى الخوض في تفاصيل القضايا السياسية التي تعرفونها جيدًا وأصبحت تشكل بنودًا ثابتة في جدول أعمالنا مثل القضية الفلسطينية وموضوع القدس وتحديات الإرهاب والتطرف ومخاطر الإنتشار النووي وسلبيات التدخل الأجنبي وأوضاع الأقليات الإسلامية التي مازالت تواجه ضغوطا واضطهادًا من كل نوع وموجات عنف تقترب من مستويات التطهير العرقي والفرز المذهبي في بلدان وأقطار مختلفة ويكفي هنا أن استعرض معكم بعض مستجدات هذه القضايا من باب التذكير بما يتعين علينا الإلتفاف إليه في سياق تناولنا لهذه المسائل. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية قال سمو الأمير سعود الفيصل : إن الأمر ما زال يصطدم فيها بذات العقبات والتحديات المتمثلة باستمرار التعنت الإسرائيلي وإمعان حكومة إسرائيل في سياسة الإستيطان وإجراءات التهويد إضافة إلى الأخذ بمبدأ يهودية الدولة الإسرائيلية, لافتاً إلى أن تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وتشكيل حكومة الوفاق الفلسطينية يعتبر خطوة مهمة وضرورية نحو بناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها مدينة القدس وتستحق هذه الحكومة التي تمثل الشعب الفلسطيني من كافة أطراف المجتمع الدولي مؤازرتها والتعامل معها لتحقيق التسوية النهائية وحل الدولتين. وبين سموه أن موضوع القدس المرتبط بتاريخ نشوء منظمة التعاون الإسلامي أصبح يشكل هو الآخر رمزًا ثابتًا ليس فقط لحدود الصلف والعدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين بل وتحديا سافرا للأمة الإسلامية برمتها مع استمرار عبث إسرائيل بهوية وأرث هذه المدينة المقدسة ومحاولات تغيير وضعها الجغرافي والديموغرافي وتعريض المصلين في الحرم الشريف لأشكال الإستفزاز والتضييق. وقال سموه:تنعقد دورتنا الراهنة بعد أن اجتازت الأزمة السورية منعطفًا نحو الأسوأ في أعقاب فشل مؤتمر جنيف الثاني في التوصل إلى حل يستند إلى بنود إعلان جنيف الأول وهذا الفشل أدى إلى تعاظم أعمال العنف والإبادة التي يمارسها النظام السوري ضد شعبه الأعزل وانحسار فرص الحل السياسي لهذه الأزمة نتيجة لإختلال موازين القوى على الأرض لصالح النظام الجائر بسبب ما يتلقاه من دعم مادي وبشري متصل من أطراف خارجية بلغت حدود الإحتلال الأجنبي وساعد على ذلك كله فشل مجلس الأمن في التحرك لوضع حد لهذه الكارثة الإنسانية التي لم يشهد له التاريخ مثيلا. وأضاف : إن هذا الوضع مرشح للتدهور أكثر فأكثر مع كل انعكاساته الإقليمية الخطيرة ما لم يحزم المجتمع الدولي أمره بإتخاذ موقف حازم يضع حدا لهذه المجزر الإنسانية البشعة ويوفر للشعب السوري ما يمكنه من الدفاع عن نفسه والعمل على حماية المدن والمؤسسات السورية من الدمار ويتعين عليها في هذا السياق الإلتفات إلى معالجة الوضع الإنساني البالغ الخطورة والناجم عن تزايد أعداد النازحين واللاجئين السوريين داخل وخارج سوريا وهذا ما يستدعي تدخلا دوليا سريعا بمعزل عن الاعتبارات السياسية وحسابات التنافس الدولي. وتابع سموه بقوله : يبدو أن إفرازات الوضع السوري قد أوجدت مناخا ساعد على تعميق حالة الإضطراب الداخلي السائد أصلا في العراق نتيجة الأسلوب الطائفي والإقصائي الأمر الذي نجم عنه تفكيك اللحمة بين مكونات شعب العراق وتمهيد الطريق لكل من يضمر السوء لهذا لكي يمضي قدما في مخططات تهديد أمنه واستقراره وتفتيت وحدته الوطنية وإزالة انتمائه العربي وترتب على ذلك كله هذا الوضع البالغ الخطورة الذي يجتازه العراق حاليا والذي يحمل في ثناياه نذر حرب أهلية لا يمكن التكهن بمداها وانعكاساتها على المنطقة. واستعرض صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل ما يعانيه العالم الإسلامي من جراحه التي ما زالت تنزف يوماً بعد يوم والكوارث والأزمات التي تتنقل ضد المسلمين من بلد إلى آخر على غرار ما يحدث في ميانمار وأفريقيا الوسطى وغيرها من البلدان ولم يقتصر الأمر على ذلك إن الإساءات والإعتداءات أصبحت تطال ديننا الإسلامي الحنيف وشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويصدر هذا الأمر من جهات وأفراد ووسائل إعلام إما من باب الجهل بحقيقة الإسلام أو من منطلق التحامل والكره لهذا الدين ومعتنقيه. وقال سموه : ان ديننا الإسلامي الحنيف هو دين الرحمة والعدالة والوسطية والله عز وجل جعل الأمة الإسلامية أمة وسطا فقال تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً " وجاء الإسلام ليقيم حضارة إنسانية تقوم على قيم الحوار والوسطية والتسامح والعدل ونبذ الظلم والإقصاء والغلو والعنف والتطرف مما جعلها حضارة إنسانية تخدم البشرية جمعاء. وأضاف سموه أن هذه المبادئ شكلت ركائز دعوة خادم الحرمين الشريفين التي أطلقها من منبر الأممالمتحدة لإستصدار قرار يمنع الإساءة للرموز والمقدسات الدينية من مختلف الجهات ومحاسبة المتورطين في هذا الأمر المشين , وحرصاً من خادم الحرمين الشريفين على إزالة مسببات التصادم بين الحضارات والثقافات فقد جاءت دعوته حفظه الله للأخذ بمبدأ الحوار والتعايش بين أتباع الديانات والعقائد في مختلف الأمم والشعوب وعلى أساس ما يجمعها والإبتعاد عما يفرقها وعمق التناقضات فيما بينها , وجاء التأكيد على نبذ العنف والتطرف والإرهاب في قمة مكة الإسلامية الإستثنائية لعام 1433 ه إضافة إلى جملة التحديات السابقة التي مازلنا بصدد التصدي لها والتعامل معها , يتبقى أمامنا تحد هام لابد من مواجهته والتعامل معه وهو تحدي التنمية الإقتصادية والثقافية لبلداننا والعمل على إنهاض أمتنا الإسلامية لترقى إلى مصاف الأمم المتقدمة وتتبوأ المركز الذي أراده الله لها بأن تكون بحق " خير أمة أخرجت للناس " . زاد سموه قائلاً : إذا كنا قد وضعنا لأنفسنا برنامجاً عشرياً يرتبط بعملية التحول التي نتطلع إليها فمطلوب منا إجراء مراجعة لما أنجزنا من هذا البرنامج على امتداد الفترة الماضية وما تبقى علينا إنجازه وقد يتطلب الأمر منا إعادة تقيم برامج الخطة على أساس تجربتنا في تطبيق برامجها وقد تكون هناك حاجة لإعادة صياغة الأولويات من منطلق ما نواجهه من معطيات ونصادفه من مستجدات , وأن اختيار شعار " استشراف مجالات التعاون الإسلامي " لهذا المؤتمر يضعنا جميعاً أمام مسئولية بحث تفاصيل هذا " الإستشراف " وأدواته في مختلف جوانب العمل الإسلامي المشترك. وأعرب سمو الامير سعود الفيصل عن بالغ تقدير حكومة المملكة العربية السعودية للدول الشقيقة الأعضاء لإختيار مدينة جدة لتستضيف المقر الدائم" للهيئة لدائمة والمستقلة لحقوق الإنسان" , مؤكدًا أن المملكة ستقوم بواجب الضيافة لهذه الهيئة وتقدم لها كل ما من شأنه أن يمكنها من القيام بعملها وأداء دورها على النحو الذي يحقق تطلعات الدول الأعضاء. وتوجه سموه في ختام كلمته بالشكر للجميع ,متطلعاً أن يخرج هذا المؤتمر بروح تعكس إصراره وحرصه على بلوغ ما يصبو إليه قيادة الدول وتتطلع إليه شعوبها من غايات وأهداف تتفق مع مكانه الأمة الإسلامية ورسالتها الخالدة