يتميز الريف السوداني في مجمل ضروب الحياة بالبساطة والأريحية حيث يعيش أهله في جو معافى من كل الشوائب ويفلحون الأرض من أجل كسب رزقهم الحلال – الحلال الذي لا شك فيه – يخرجون بعد صلاة الفجر إلى مزارعهم يعملون بها حتى المساء ومنهم من يعود إلى داره منتصف النهار ليقضي وقت القيلولة ثم يعود ليواصل عمله وكلهم يعودون عند الغروب إلى مساكنهم بعد قضاء يوم فيه خليط من العناء والتعب والمتعة والرضا – ولكن رغم صعوبة مثل هذه الحياة تجدهم يتعاضدون ويشد بعضهم بعضا في جميع الأحوال – في أفراحهم وأتراحهم – تجدهم كالأسرة الواحدة يتفقدون بعضهم البعض وأطفال القرية يصلح أن يمثل أي واحد منهم ولي أمرهم ويحترم صغيرهم الكبير ويوقر الكبير الصغير واليتيم بينهم لا يكاد يحس بيتمه لأن آباء القرية كلهم يصيرون أباً لمن فقد أباه يولونه بالرعاية والاهتمام وكذلك الأرملة. الغريب الذي يدخل القرية ضيف عليهم يتسابقون في إكرامه حتي يغادرهم والنساء في بيوتهن يعملن في بعض الحرف اليدوية منها صناعة البروش من سعف النخيل لتوضع على (العنقريب) وهو السرير المصنوع من الخشب وكان البرش يمثل الفرش قبل أن يعرف الناس الفرش المصنوع من القطن(المراتب) – وللنساء تعاون خاص في ما بينهن خاصة من خلال جمعياتهن بغرض خدمة مناسبات القرية مثل شراء عدد كاف من الأواني المنزلية من كل الأشكال والأحجام يأخذها كل من كانت له مناسبة ويعيدها بعد انقضائها إلى مكانها (ويسمونها عدة الجمهورية أو الشركة) بعض النساء يشاركن في حصاد القمح في الشتاء والذرة في الصيف خاصة تذرية المحصول لفرز الحب عن التبن ومجمل العملية تعتمد على هبوب الرياح وربما كابدن في هذا الأمر لعدة أيام . والأهالي يبنون منازلهم من الطين ويعرشونها من سعف وجريد النخيل وأهل الريف معظم طعامهم مما يزرعونه من محاصيل ويقضون ما يحتاجون إليه من أغراض من الأسواق التي تقام في يوم واحد من كل أسبوع موزعة على القرى ومصدر مياه الشرب مياه النيل والآبار حيث يحفظ الماء في الازيار الفخارية وتقوم بتنقية الماء وتبريده – أما حفظ ما تبقى من الطعام أو اللبن يوضع في (المعلاق) ويتكون من ثلاثة حبال متدلية تجمع في أعلاها وتربط في سقف المطبخ وتنتهي في آخرها بشكل دائري ليوضع فيه الماعون الذي به اللبن أو أي طعام آخر حفظاً لها وخوفاً عليها من القطط..