الأستاذ الدكتور عاصم حمدان علي أكاديمي مرموق وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز له أسلوبه الخاص في الكتابة عن المدينتين المقدستين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة وفي الجزء الخامس من سلسلة أعماله الكاملة يرصد المؤلف شخصيات أدبية وعلمية وتاريخية مؤثرة تركت أثراً واضحاً في الحراك الثقافي بالمدينةالمنورة هذا إلى جانب البحوث النقدية والدراسات الأدبية. ويعد كتاباه (المدينةالمنورة بين الأدب والتاريخ 1411ه) وصفحات من تاريخ الإبداع الأدبي بالمدينةالمنورة من الأعمال التي تؤرخ للحركة الأدبية والحلقات العلمية في المدينةالمنورة. أما في البحث العلمي فقد كان له نصيب من المؤلفات في الدراسات المقارنة وتاريخ الأدب. يقول عنه حسين محمد بافقيه: "ويمكن القول إن عاصم حمدان من الكتّاب المعدودين الذين أولعوا ب "السيرة الذاتية" فأعماله المتوالية مسكونة ب "الأمكنة المنهارة" في سيرة تلك الأمكنة وهي سيرته هي كذلك". إلى أن يقول: "وبينما هيمنت الأمكنة المقدسة على سيرته كان من السائغ أن يتحول أناس عاصم حمدان إلى أناس مضمخين بألق تلك الأمكنة تحفهم ب (بركتها) وتلقي في روعهم "حكمتها" فأناسه حكماء". وضمن الكتاب وفي (رموز أدبية وفكرية في تاريخ ثقافتنا) يتناول المؤلف الحديث عن فضيلة الشيخ عبدالله بن حميد بعد تكريم جامعة أم القرى له فيقول:كان فضيلة الشيخ ابن حميد فقهياً حنبلياً متمكناً وقد سمعت الشيخ أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري يقول:"يعتبر الشيخ ابن حميد واحداً من القلة من علماء هذا المذهب المعتمد والذي يمكن أن نطلق عليه عالماً مجتهداً وذلك لأن للاجتهاد شروطه وضوابطه التي يعرفها الأصوليون". ويقول عن السيد محمد علوي المالكي وصور مشرقة من تاريخنا العلمي:"عندما قدمت إلى مكةالمكرمة دارساً في كلية الشريعة عام 1392ه كان الحرم المكي يزدان بحلقات العلم التي يتصدى فيها للرأي والاجتهاد علماء من أمثال المشايخ حسن المشاط ، عبدالله بن حميد ومحمد نور سيف وعبدالله بن دهيش وعبدالله اللجحي وعبدالله الخليفي وطه البركاتي واسماعيل الزين وعبدالفتاح راوه، وعبدالله خياط وعبدالله دردوم ومحمد مرداد وكان نفر من العلماء اختار أن يكون بيته موئلاً للعلم والمعرفة من أمثال فضيلة العالم اللغوي والفقيه السيد محمد أمين كتبي ومسند العصر محمد بن ياسين الفاداني الذي تلقى العلم عن محدث الحرمين الشيخ عمر بن حمدان المحرسي وزكريا بيلا والسيد حسن فدعق ، والسيد علي البار والسيد اسحاق عزوز وكانت حلقة المحدث السيد علوي بن عباس المالكي التي عرفتها حوالي عام 1388ه قد خلفه فيها ابنه السيد محمد علوي بن عباس المالكي ، حيث كانت وفاة والده في عام 1391ه وكنت قد عرفت السيد محمد في المدينةالمنورة مع والده عندما كان يزور في كل عام مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما تعرفت في وقت مبكر على ابنه السيد عباس المالكي الذي هو الآخر كأخيه محمد اخذ العلم عن جملة من الرجال الذين نذروا أنفسهم للعلم والمعرفة ورضوا بالقليل في زاد الدنيا ومتاعها الفاني. ثقافة موسوعية وتواضع علمي رفيع: ويقول عن الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان:"عندما قدمت إلى مكةالمكرمة - شرفها الله - دارساً في بداية التسعينات الهجرية كان اسم فضيلة الدكتور عبدالوهاب أبوسليمان ذائعاً بين طلاب الكلية العريقة مع رصيفتها كلية التربية وكان هذا الذيوع يقترن بسمات الانضباط والحزم والصرامة التي عرف بها الدكتور أبوسليمان ولم اكن اتطلع يومها للاقتراب من هذه الشخصية الفذة إلا أن اقترابي من رجل الفضل والأدب والإحسان الشيخ عبدالله محمد بصنوي فتح أمامي أبواباً أدين - بعد الله - له فيها فلقد اصطحبني بداية إلى دار فضيلة الشيخ والفقيه المالكي حسن المشاط "1317 - 1399ه" وهناك رأيت الدكتور أبوسليمان يجلس في درس شيخه المشاط منصتاً ومدوناً في تواضع وأدب جم. تواضع العلماء وشهامة الرجال: أما محمد عبده يماني فقال عنه:"عندما أنهيت دراسة المرحلة الثانوية في طيبة الطيبة لم يكن أمامي إلا البلد الذي احبه المصطفى صلى الله عليه وسلم واحببته لحب النبي الرحيم له - أعني مكة البلد - حيث البيت الذي يطوف به الناس عابدين وعند حطيمه مستغفرين وتائبين. أكرمني الله بأن أكون طالباً في قسم اللغة العربية بكلية الشريعة وهي أقدم الكليات في بلادنا وكان ذلك بين عامي 1391 - 1393ه وفي هذه الحقبة عين معالي الدكتور محمد عبده يماني مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز والحقت كليتا الشريعة التربية بالجامعة في جدة وكما اعطى الدكتور محمد عبده يماني جهده ورعايته للجامعة في جدة فانه في نفس الوقت كان مهتماً بكليات مكة وكنا طلاباً - آنذاك - نجد في أبي ياسر أبوة روحية. وقال عن عبدالله بصنوي:اليوم - يا سيدي - بعد ما يقرب من عقد من الزمن ونصف على رحيلك استعيد ذكرى حياة عشتها طولاً وعرضاً ، كرامة نفس في غير تعال، وشجاعة في غير تعد على الآخرين حتى وإن أساءوا إليك يوماً وكثيراً ما فعلوه وحلم لا تكدره التفاهات وصغائر الأشياء وسخاء تبذله للأقارب والأباعد في غير منة ولا تفضل ويوم تعرفت عليك منذ ما يقرب من أربعة وثلاثين عاماً أدركت أنني أمام رجل نسيج وحده. وفي رثاء السيد ياسين طه ..(وفقدناك يا آخر الآباء) قال:"يأتيني صوت أحد الأحبة متهدجاً (السيد ياسين طه يعطيك عمره)، أخذت نفساً عميقاً .. استرجعت أمام عيني ابتسامته صفاءه قامته الطويلة الشامخة بينه وبين السيد محمد حسن فقي ذلك الشبه في الشموخ وتلك العفة في اللسان والاستقامة في السلوك لقد كانا من أبرز جيل الرواد في هذا التفرد خلقاً وسلوكاً وحباً وصفاءً. شخصيات موسوعية في تاريخ المدينة: وقال المؤلف عن الأستاذ عبدالستار بخاري:ذكرت في المقالة السابقة الموسومة (العلوم الشرعية وملامح عن التعليم في المدينةالمنورة) عدداً من المشايخ الذين تلقت الأجيال عنهم العلوم الشرعية وسواها... وأشير هنا مثلاً إلى شخصية الأستاذ عبدالستار بخاري والذي لازمته في الحرم النبوي الشريف لمدة من الزمن فلقد كان واحداً من أشهر القراء والحفظة لكتاب الله. وقال عن:صالح خصيفان ووسام المروءة والشهامة:"يمر بعض الناس في هذه الحياة مرورواً عابرًا بينما يكون مرور آخرين ذا أثر فعال وايجابي في هذه الحياة...عرف البلد الحرام والوطن عامة سيرة المرحوم معالي الفريق طة خصيفان وعلى الرغم من أن هذا الرجل لم يعمر كثيراً حيث توفي في منتصف العقد الخامس من عمره إلا أن الناس لازالت تحتفظ في ذاكرتها بصورة مضيئة عما قدمه لوطنه. وعن الرائد الدكتور عباس طاشكندي وكلمة للتاريخ قال:"في بداية التسعينيات الهجرية كنت وصديقي الدكتور عبدالله محمد المختار والده أحد علماء المسجد النبوي الشريف وحلقته في علم الحديث مشهودة آذاك كنت وإياه نقضي الوقت بين الصلوات في مكتبة عارف حكمت والتي أوقفها شيخ الإسلام في عصره على الحرم النبوي الشريف وكان يؤم المكتبة شاب في مقتبل العمر يدون في أوراقه معلومات عن المكتبة التي تحوى عدداً كبيراً من المخطوطات ولم يكن ذلك الشاب الطموح والجاد إلا أستاذنا الدكتور عباس طاشكندي والذي كان يحضر للدكتوراه في علم المكتبات. التجسيد الحي للاعتدال والمعرفة المتنوعة: وقال عن محمد حميدة :تفتحت أعين أبناء البلدة الطاهرة على شخصيات علمية وفكرية وأدبية كانت مضرب المثل في رجولتها وشهامتها مع استقامة في السلوك وورع شديد في التعامل مع أمور هذه الحياة الفانية وكان الأستاذ والمربي والفقيه والأديب محمد حميدة - أطال الله عمره - واحداً من هذه الشخصيات التي عرفتها على مدى ما يقرب من أربعة عقود من الزمن. كما تحدث المؤلف عن الأستاذ إياد مدني عند تعيينه وزيراً للإعلام كما قال عن الخوجة ومدني وسلوكيات الكبار::لعل مما تحتفظ به الذاكرة من مواقف وفاء رائعة وجميلة عند الآخرين أو عند بني قومنا ويحسن الوقوف عندها والتذكير بها...وللتاريخ أيضاً فلقد كان لمعالي الدكتور غازي القصيبي موقف حضاري ورجولي حيث امتطى صهوة قلمه وكتب مقالاً مؤثراً في زميله - آنذاك - معالي أستاذنا الدكتور عبده يماني عند خروجه من وزارة الإعلام. لقد عرف كاتب هذه السطور كلا من معالي السيد إياد مدني ومعالي الدكتور عبدالعزيز خوجه وأزعم أنني اقتربت منهما كثيراً. وعن عبد الفتاح أبومدين ومسيرة نصف قرن من الإنجاز الصحافي والأدبي قال:اليوم وقد استقالت إدارة النادي الأدبي بجدة برئاسة الصحافي والأديب المعروف الأستاذ عبد الفتاح أبومدين فانه ليجدر بنا أن نقول كلمة للتاريخ عن الرجل ورفاقه وما انجزوه. كما قال عن محمد علي حافظ وكلمات للتاريخ:لا تزال ذاكرة الطفولة تحتفظ بانطباعات وجدانية خاصة عن صحيفة المدينةالمنورة ابان صدورها في المدينةالمنورة وهي ذكريات تعود لأواخر السبعينات وبداية الثمانينات الهجرية حيث كنت أدرس في المراحل الأولى بمدرسة العلوم الشرعية فلقد كنت اقطع المسافة بين منزلنا في (السيح) أو مدخل باب قباء وشارع العينية لأسأل ذلك الشخص الطيب والعامل في مكتبة المرحوم ضياء عن الجريدة وكانت المكتبة الوحيدة التي توزغ الصحف والمجلات في المدينة في هذه الحقبة التي استدعى ذكرياتها في قضاء البلدة الطاهرة. نبض الإنسان وجماليات المكان: أما الناقد والأديب محمد البيسي فقد كتب عن نبض الإنسان وجماليات المكان في سير عاصم حمدان فقال:بعد الأستاذين الرائدين محمد حسين زيدان وعزيز ضياء يجيء الأديب المدني عاصم حمدان ليسجل بعض ذكرياته ويدون أجزاء من سيرته الذاتية دون أن يتبع ذات المسار الذي اصطنعه الأديبان الرائدان..."