لم يكن غريباً ان ترى كم هذه الأحزاب السياسية فى مصر بعد نجاح ثورة يناير فى الإطاحة بنظام جثم على أنفاس المصريين ثلاثين عاماً، كان لهذا النظام اصلاحات لا ينكرها الا جاحد وكان له ايضاً مساوئ لا يتغاضى عنها الا منتفع من هذا النظام، وعلى كل حال فقد فشل نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك فى استيعاب شريحة كبيرة من الشباب المصرى، وتوفير حياة كريمة لهم وفرص عمل مناسبة لمؤهلاتهم العلمية والعملية، ما استدعى هذا الشباب الثائر الى الثورة على هذا النظام بمحاسنه ومساوئه على حد سواء .وبعد نجاح ثورة "يناير" تعددت الأحزاب السياسية فى مصر بشكل لافت للنظر، واصبح لكل جماعه او فئة لها رؤية معينة، حزباً سياسياً وربما أكثر من حزب، وانطوى تحت لواء هذه الأحزاب أفكار متعددة عصفت بالمجتمع المصري ، كانت هذه الأفكار فى مجملها لاتعبر عن طبيعة المواطن المصرى، الذى لا يعنيه سوى توفير الأمن وقوت يومه . "البلاد" فى تحقيق استقصائى تناولت تأثير الأحزاب السياسية على المشهد المصرى، وماقدمته وتقدمه هذه الأحزاب فى خدمة المواطن، كذلك رصد رأى الشارع المصرى فى الأحزاب المتصارعة على الساحة السياسية . احزاب ماقبل الثورة قبل قيام ثورة يناير كان فى مصر حوالى 24 حزباً سياسياً ، لم يكن لجميعها اى دور فى الحياة السياسية بإستثناء الحزب الوطنى الديموقراطى الذى كان يرأسه الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وكانت تلك الأحزاب أشبه بالأحزاب "الكارتونية" التى تمثل معارضة زائفة مما خلق نظام سياسياً يحوذ على كافة ثروات مصر دون رقيب. ولم تقتصر هذه الظاهرة على الأحزاب الصغيرة فحسب، بل انها امتدت ايضاً الى احزاب عريقة لها باع فى العمل السياسي مثل حزب الوفد وحزب التجمع والعربى الإشتراكي وحزب العمل، وعلى الرغم من اختلاف هذه الأحزاب فى الرؤية السياسية الا ان جميعها كانت مضطهدة من نظام الرئيس الأسبق . اختلاف الايديولوجيات بعد ثورة يناير كان هناك أكثر من 80 حزباً سياسياً "قانونياً" وذلك طبقاً لأخر احصائية للجنة شئون الأحزاب، وتختلف هذه الأحزاب فيما بينها من حيث أهداف النشأة وطريقة التفكيرالتى يعمل بها الحزب الواحد، فمن بين هذه الأحزاب ماهو يسارى ومنها ماهو وسطى ومنها ماهو يمينى . ومن الملاحظ بعد ال25 من يناير هو تفوق الأحزاب السياسية الدينية فى الانتخابات "البرلمانية والرئاسية"، والسبب فى ذلك طبقاً لتصريحات الدكتور ايمن الصياد، مستشار الرئيس السابق محمد مرسي، هو ماكان يتوسمه المواطن المصرى فى الاسلاميين من حب مصر والتجرد من المصالح الدنيوية والعمل على الاصلاح، طبقاً لما يمليه الدين الاسلامى على متبعيه . ويضيف الصياد فى حديثه ل "البلاد" : بعد 30 يونيو اتضح للمواطن المصرى، ان الأحزاب الموجودة على الساحة مجرد "احزاب كارتونية" فعلى الرغم من ان اعدادها تجاوز ال 80 حزباً، الا ان جميعها ليس لها تأثير فى الشارع . 30 يونيو ودور الأحزاب وفى نفس السياق، يقول الدكتور ايمن الصياد، عن المرحلة التى تمر بها مصر حالياً واصفاً ماجرى فى 30 يونيو الماضى بمرحلة من مراحل ثورة ال 25 من يناير قائلاً " 30 يونيو خطوة فى طريق الثورة المصرية التى لم تكتمل بعد". وأضاف، الجماعات الإسلامية الموجودة حالياً بما فيها الأخوان المسلمين والسلفيين أرتدت قبعات الأحزاب وجميعها لا يصلح للحياة السياسية، لافتاً الى أن المرحلة الأولى من الثورة فتحت الباب امام انشاء احزاب سياسية ليست لها وجود فى الشارع المصرى . رأي الشارع المصرى المواطن المصرى هو الهدف فى النهاية من تأسيس الحزب، وعلى النقيض تماماً فإن أكثر من 85 % من المصريين لايعلمون شيئاً عن الأحزاب الموجودة بمصر، وبالكاد فإن اكثر المواطنين لايعرفون الا الحزب الوطنى المنحل وحزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان المسلمين وحزب الوفد ، وذلك طبقاً لإستطلاعات "البلاد".يقول أحمد السيد، موظف بشركة النيل للأدوية، إن تعدد الأحزاب ووصولها لهذا العدد ليس مشكلة، لأنها فى النهاية مجرد "ديكور" ليس له كيان يُحدث تاثيراً على الارض، مؤكداً "لا احد يستطيع ان يزعم ان هذا العدد من الأحزاب يملك التاثير فى الحياة السياسيه فى مصر فبعد ثورة يناير لم نجد لدينا غير الجماعات الدينيه سواء كان الاخوان او السلفيين، ولذلك فإنهم حصدوا أكثر اصوات الناخبين". نبيل عزب، استاذ مساعد بكلية العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، قال ل "البلاد": كل شئ مرهون بأن نعبر المرحلة وان نصل الى ديموقراطية سلمية، وهذا لن يتم الا بوجود أحزاب قوية لها تأثير فى الشارع وتحرك المواطن الى الأفضل . وأضاف "عزب": خلال السنوات الماضية فإن الحزب الوطنى لم يكن يعمل من اجل المواطنين بل كان حزباً يستحوذ على السلطة من أجل بناء نظام ديكتاتورى قائم على احتكار الحريات وهو ما استدعى المواطنين الى الثورة عليه . وفى سياق مختلف، أعتبر أحمد رزق، طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ان ماتشهده مصر الأن من كثرة الأحزاب ظاهرة صحية ، وشيئاً طبيعيا بعد قيام ثورة يناير والأطاحة بنظام مبارك، لافتاً الى ان دور هذه الأحزاب فى المشهد المصرى يُعد حلقة من حلقات الأتصال بين الحزب الحاكم والمواطن العادى . الاندماج هو الحل ويبدو ان الأحزاب من داخلها، تشعر هى الأخرى بأن ليس لها قيمة او تواجد فى الشارع، اذا يتجه العديد من الأحزاب "الهشة" الى الاندماج مع بعضها البعض لتمثل تكتل يُنافس أحزاباً أخرى اقوى منها، فنرى حزب الدستور يتجه الى الاندماج مع حزب مصر الديموقراطى ، قبل ان ينضم اليهم حزب العدل ليمثل الثلاثة أحزاب تكتلاً نوعاً ما ينافس الأحزاب الأخرى فى الانتخابات البرلمانية .وعلى الرغم من اتجاه تلك الأحزاب للاندماج مع بعضها، الا ان هناك سؤالاً يراود الكثير من المتابعين وهو ان بعض هذه الأحزاب تكون له ميول يمينية او يسارية فكيف تتفق وجهات النظر ؟ . الحزب والسلطة ومن الملاحظ ايضاً، ان معظم الأحزاب ليس لها هدف غير السلطة، وما ان وصلت اليها فإنها تسعى بكل مالديها الى السيطرة على كل شئ فى الدولة، وهو ما ذهبت اليه الدكتورة إجلال رأفت، الأستاذة بكلية العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حيث قالت فى تصريحات ل"البلاد": الشارع سبق الأحزاب من زمان والأحزاب الموجودة ليس لها تاثير في الشارع وحالياً القوى الوطنية المصرية ممثلة في لجنة الخمسين لتعديل الدستور. وأكدت "إجلال" أن الأحزاب الاسلامية ماهى الا غطاء لمكتب الارشاد وجميعها كانت تعمل لصالح "التنظيم الدولى للاخوان" ، لافتة الى ان الأحزاب حالياً يمكنها ان تثبت نفسها فى الشارع المصرى، تمهيداً للانتخابات البرلمانية القادمة، كلاً حسب ادائه وتفاعله ووصوله إلى المواطن وكسب صوته. وثيقة السلمى والأحزاب كان للوثيقة التى اصدرها، نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور على السلمي، اثر كبير فى تحريك الشارع المصري، ففى حين وقفت الأحزاب ذات المرجعية الاسلامية ضد تفعيل هذه الوثيقة، أبدت بعض الأحزاب المدنية واليسارية رغبتها فى تطبيقها . الدكتور على السلمى، من جانبه قال ل"البلاد": ان الأحزاب المتواجدة حالياً تعمل فقط من أجل مصالحها الشخصية بما فيها الأحزاب ذات المرجعية الدينية، فالكل هدفه السلطة فقط وليس المواطن البسيط ، وهو ما انعكس بالسلب على حياة المواطن العادي الذي بدأ يشعر بالملل من كم هذه الأحزاب التى لا تفيد ولا تضيف جديداً لحياة المواطن . ويؤكد "السلمى": ان معظم الأحزاب السياسية تحاول فقط ان تمارس دور "الوصى" على الشعب فى حين انها لاتقدم رؤية سياسية تسهم فى نهضة مصر،قائلاً "تحاول هذه الأحزاب التأثير فى المواطن المصرى عن طريق برامج التوك شو فى الفضائيات والمواطن يحتاج الى من ينزل اليه ويشعره بوجوده معه ولا يتم ذلك بالشعار او الكلمات" . واياً كانت الأراء، فإن مصر تُعانى حقيقة من ندرة في الأحزاب السياسية الحقيقية وليست المزيفة او الطامعة فى السلطة، فمنذ سماح الرئيس الأسبق محمد انور السادات بتعدد الاحزاب السياسية لم نر إلا حزباً واحداً فقط على الساحة فى حين اكتفت بقية الاحزاب بالمشاهدة . ولعل أكثر هذه الأحزاب لديها "حجة" دائماً، وهى أن السنوات الماضية شهدت تضيقات من رجال الحزب الوطنى عليهم فى القيام بالأدوار المنوطة بهم، ولكن ذلك لايكفى بطبيعة الحال لأن تختفى هذه الأحزاب من الساحة السياسية بهذه الطريقة .