عندما عاد النبض لقلب مصر في ميدان التحرير.. وتدفقت في شريان حياتها نهر النيل دماء الشباب الجديد وروت أرضها دموع أمهات الشهداء.. لم يكن في الحسبان أن تصل مصر إلى هذا الوضع الجديد حيث يتابع العالم العربي باهتمام كبير تسونامى التغيير الذي اجتاح مصر وتحول إلى هاجس كبير لسببين، الأول: يعود إلى إدراك متزايد بأن أوضاع العالم العربي ككل تزداد ترديا يوما بعد يوم، وبأن وقف هذا التردي مرهون بحدوث تغيير جوهري في توجهات السياسة المصرية الراهنة. والثاني: يعود إلى إدراك متزايد بأن احتمالات التغيير السلمي المنشود في مصر تتضاءل يوما بعد يوم وعلى نحو ينذر بوقوع كارثة كبرى يخشى أن تطال الجميع. ولأن أحدا لا يملك في الوقت الراهن إجابة واضحة ودقيقة على سؤال: «مصر بعد التغيير تتجه إلى أين؟»، فمن الطبيعي أن تتعدد الاجتهادات حسب زوايا الرؤية. بدأت انتفاضة الغضب في مصر بشباب واع ومثقف فكانت قمة طموحاتهم (تغيير سياسي واقتصادي وتحقيق للعدالة والمساواة على أرض الواقع). وعندما انطلقت هذه الرؤية عبر شبكات الانترنت والفيس بوك انجذب إليها الكثيرون من الشباب المثقفين الذين أخذت أصواتهم تتعالى في ظل تزايد أعدادهم ليشكلوا جماعة من المعارضة الحقيقية وقررت أن تنزل إلى الشارع، فكانت احتجاجات 25 يناير الماضي، وكان أكبر داعم ومحفز لهذه الثورة قيام قوات الأمن المركزي المصري باستخدام القوة لفض هذه الوقفات الاحتجاجية فزادت قوة وإصرار هؤلاء الشباب على الاستمرار في احتجاجهم الذي فتح الباب أيضا أمام المعارضة بما فيها جماعة الأخوان المسلمين المحظورة لتسعى لتحقيق طموحاتها في تغيير نهائي للنظام وإسقاطه نهائيا فتحولت الشعارات إلى ( الشعب يريد إسقاط النظام). وفى رؤيته وتوقعاته لنتائج السناريوهات الموضوعة لحل الأزمة الراهنة وإنهاء ما يمكن أن يطلق عليه لعبة عض الأصابع ليتحقق التغيير المنشود. وبين تحديد المكسب والخسارة يؤكد المراقبون أن أجندة القاهرة ستبقى مفتوحة فى كافة المجالات إلا أن ميدان التحرير فى قلب القاهرة لايزال يفتح أجندة الوضع السياسى الجديد فى مصر إثر احتجاج « الشباب « الذى بدأ قبل اسبوعين ليفصل بين تاريخين فى مصر قبل هذا اليوم كحقبة انتهت بكل ما لها من شرعية وبعد ذلك التاريخ وما سيحمله من سيناريوهات لم تكتب فصولها بعد لكن فى مقدمتها كما يقول الروائى ابراهيم عبد المجيد إنه من المؤكد أن التاريخ تغير وأن اتهام المصريين بانهم لا يثورون وأنهم خانعون هو اتهام تبدد وأن المواطن المصرى استعاد ذاته. كما يتفق الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين على أن احتجاج شباب مصر الذى بدأ منذ 25 يناير الماضى ولا يزال حقق العديد من مآربه ، وبينما يدفع الحقوقيون والعديد من منظمى الاحتجاج إلى الاستمرار فى تحصيل مكاسب تتجاوز ما حققه الاحتجاج على المستوى السياسي. أما على مستوى الحوار الوطنى الدائر يقرر غالبية المتحاورين أن الحوار مع نائب الرئيس عمر سليمان وإن حقق مكاسب مهمة من ضمنها أن الازمة السياسية تقود الفرقاء إلى الحوار على طاولة المفاوضات ، لكن فى المقابل يقول أسامة الغزالى حرب رئيس الجبهة إن الطعون فى نتائج ذلك الحوار حتى الآن أكثر من مكتسباته . ويؤيد العديد من المعتصمين فى ميدان التحرير أن أولئك المتحاورين لا يمثلون وهو ما جعل الجميع يتراجع ويقرر أنه لم يكن يهدف إلى الحوار كما أن العديد من المتحاورين خرجوا بعد الحوار يعلنون أنهم لم يمثلوا إلا أنفسهم ، حتى أن عبد الرحمن يوسف العضو فى الجمعية الوطنية للتغيير يقول انه لم يكن يعرف انه يتوجه إلى مجلس الوزراء لأكثر من ايصال رسالة من جمعيته لكنه تفاجأ أنه يشارك ويحسب على انه صوت من الجمعية ، فى الوقت الذى يقول فيه محمد البرادعى مؤسس الجمعية أنه لم يدعى إلى الحوار.
لجنة الحكماء: الشباب يصرون على تنحي السلطة في وجود الصيغ المطروحة ابراهيم نوار القيادى فى حزب الجبهة الديمقراطية يقول إن حزبه لم تتم دعوته لأنهم أعلنوا من البداية أنهم لم يشاركوا فى الحوار متهما الاخوان المسلمين ومن شاركوا فى الحوار من بقية الاحزاب التى لا تمثل الا نفسها أنهم متاجرون بالثورة ، وقال إن سبعة مطالب يقررها حزبه وفى مقدمتها تنحي الرئيس مبارك وتفويض سلطاته إلى نائبه سليمان وهو ما قال الأخير أنه مطلب مرفوض، على اعتبار ان الرئيس موجود فى السلطة وأن صلاحياته ضرورية لنقل السلطة. لكن نوار يقول إن « ترتيبات الثالوث العسكرى الذى يحكم مصر الان مرفوضة « وانها لن تحقق مكاسب ، ويقول الجميع سيتراجع فى النهاية عندما يدركون ان حوارهم سيكون فى النهاية مجرد املاءات مقابل صفقات فى موضوعات أخرى . واعتبر نوار أن الاخوان يتاجرون بالاحتجاج لتحقيق مكاسب تاريخية ، متهما اياهم بانهم لا يعتمدون الشفافية فى التعامل مع رفاقهم السياسيين ويخروجون عن العهد المتفق عليه دون شورى. فالاخوان المسلمون اصدروا 6 بيانات مختلفة عن بعضها ، جعلت موقف الحركة مهزوزاً. ويقول الدكتور يحيى الجمل وزير التنمية الإدارية الأسبق وعضو لجنة الحكماء التي تقوم بجهود الوساطة بين شباب «احتجاج 25 يناير الماضي» والنظام المصري الحاكم:إن هؤلاء الشباب ضربوا أروع الأمثلة للعالم كله في قدرته على إعطاء درس في التغيير السلمي وكانت المطالب التي خرج من اجلها جموع الشباب المصري منذ 25 يناير الماضي والتظاهر في ميدان التحرير ليست بلا عناوين يمكن قراءتها إنها مطالب اقتصادية وسياسية واجتماعية ومطالب تخص العدالة والحرية . وقال الدكتور أبو المجد وزير الإعلام المصري الأسبق: إن احتجاج هؤلاء الشباب بكافة أطيافهم قد فرض عدة خيارات صعبة لتحقيق التغيير، فالرئيس مبارك دخل في الاختيار والنظام الحاكم كله في نفس الاختيار وكذلك الأحزاب السياسية التي يرفض هؤلاء الشباب أن تتكلم هذه الأحزاب باسمهم أو بالنيابة عنهم والحال الآن وما سوف يكون في الأيام القادمة هي حالة صدمة في الشارع فقدان الثقة الذي يبديه الشباب في الوعود والقرارت التي اتخذها النظام الحاكم وانقسام الآراء في الشارع المصري ما بين مؤيد ومعارض، وبين من يسعى إلى تحقيق مصالح شخصية ومن يهدف إلى مصلحة البلد ولن تحدث أي تنازلات كبيرة أخرى من قبل النظام الحاكم في مصر فلقد وصل الرئيس مبارك إلى قمة تنازلاته التي تضمن له هزيمة شريفة باعتباره ابن المؤسسة العسكرية في مصر والمعروفة بكبريائها وشموخها وعموما كل السيناريوهات مطروحة الآن. واختتم الدكتور أبو المجد حديثه قائلا: ان لجنة الحكماء التى التقت بهؤلاء الشباب ومع اللواء عمر سليمان نائب الرئيس المصري طرحنا صيغة تتضمن مجموعة من المقترحات تكون مقبولة بين الطرفين (الشباب المتظاهرون) و(النظام الحاكم فى مصر) للانتقال السلمي للسلطة فى مصر وهذه المجموعة من المقترحات تنص على أن يتم تكليف اللواء عمر سليمان نائب الرئيس بإدارة المرحلة الانتقالية، وأن يكون للشباب مكان واضح في الحوار الوطني،وأن يتم تطوير الإصلاحات السياسية، ويتم توفير الضمانات الكافية لانتقال سلمى للسلطة، مع تقدير الدور الذي تقوم به المؤسسة العسكرية في هذه المرحلة إلا أن الشباب أصروا على تنحي الرئيس مبارك على أن يعهد بصلاحياته لنائبه عمر سليمان وهذا ما يرفضه سليمان ويصر عليه الشباب
المطالب فجّرتها مواقع الإنترنت ولم تبلورها الأحزاب السياسية من جانبه يؤكد الخبير والباحث السياسي الدكتور هاني محمد محمد أبو الفتوح :إن انتفاضة الغضب في مصر بدأت بشباب واع ومثقف من مختلف فئات الشعب المصري فتوحدت رؤى ومطالب هؤلاء الشباب وطموحاتهم حول المطالبة بتغيير سياسي واقتصادي على أرض الواقع وان هذه الرؤى والمطالب لم تتبلور فى إطار حزب سياسي إنما انطلقت عبر شبكات الانترنت والفيس بوك وانجذب إليها الكثيرون من الشباب المثقفين المصريين الذين أخذت أصواتهم تتعالى في ظل تزايد أعدادهم ليشكلوا جماعة من المعارضة الحقيقية وقرروا النزول إلى الشارع ، فكانت احتجاجات 25 يناير الماضي، وكان أكبر داعم ومحفز لهذه الثورة قيام قوات الأمن المركزي المصري باستخدام القوة لفض هذه الوقفات الاحتجاجية فزادتهم قوة وإصرارا على الاستمرار في ثورتهم التي فتحت الباب أيضا أمام المعارضة بما فيها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة لتسعى لتحقيق طموحاتها في تغيير نهائي للنظام وإسقاطه نهائيا فتحولت الشعارات إلى ( الشعب يريد إسقاط النظام). أضاف الدكتور هاني: إن المشهد على الساحة المصرية الآن يجسد تفاقم واستحكام الأزمة الاقتصادية، وخاصة أزمة المعيشة التي تعاني منها الأغلبية الساحقة في مصر مما يتطلب مرونة وعقلانية من كل الأطراف في علاج الوضع الراهن. ويؤكد ناصر عبد الحميد عضو لجنة الأمانة العامة للجمعية الوطنية للتغيير فى حديث خاص مع اليوم فور الافراج عنه: إن مكاسب ثورة الشباب هى التى ستغيّر هذا النمط وستجبر مؤسسات التعذيب فى مصر على تغيير تلك السياسة لأننا لن نستسلم فى العودة إلى الوراء قبل 25 يناير. وعلى صعيد السياسة الخارجية وتأثير الأحداث فى مصر على دورها فى السياسة الإقليمية والدولية يرى خبراء السياسة والعسكريون أن مستقبل مصر سيكون "ديث مع "اليوم": لو اكتفت ثورة الشباب بما حققته من إنجازات ، فيكفيها أن ستقودها إلى تخليق نموذج ديموقراطى مبهر فى المستقبل ، ويضيف «كعسكرى أدرك تماما أن الرئيس مبارك سوف يكون ملزما ً بما قطعه من وعود أمام العالم ، ولن تكون هناك فرصة للعودة إلى الوراء حيث عهد الفساد والظلم قبل 25 يناير«. الرئيس مبارك سوف يكون ملزما بما قطعه من وعود أمام العالم، ولن تكون هناك فرصة للعودة إلى الوراء حيث عهد الفساد لكن من المؤكد أن مصر خرجت من دور اللاعب الرئيسي فى القضية الفلسطينية كما يقول سعيد عكاشة الخبير فى الشئون الإسرائيلية، إنه أصبح دورا تقريريا ، إذ سيكون من الصعب فى الفترة أن نشهد العديد من التحركات فى المنطقة كون مركزها مصر ، كما سيكون فى السياق ذاته من الصعب أن يقوم مسؤولون أمريكيون أو إسرائيليون بزيارة القاهرة ، لكن فى نفس الوقت ، من المؤكد أن أي نظام جديد فى القاهرة يتعامل فى المستقبل كند لتل أبيب كمكسب على الجانب الآخر .