حوى الكتاب الذي قدمه الدكتور أحمد حبيب محمود أحمد عن سيده والده السيد حبيب محمود أحمد (رحمه الله) والذي حمل عنوان لمحات من سيرة حياة ومسيرة انجاز، حوى الكتاب على كلمات العديد من الكُتَّاب والشخصيات الأدبية البارزة عن شخصية الراحل السيد حبيب أحمد، وقد تقدم هذه الثلة المرموقة من الأساتذة والكُتاب الأستاذ الدكتور عاصم حمدان. استاذ الأدب والنقد بجامعة الملك عبدالعزيز الذي اختط قلمه كلمة صدق في السيد حبيب قال فيها: عند الحديث عن شخصية السيد حبيب محمود احمد، الذي يشرفني ابناؤه بالكتابة عنه.. لابد ان استعيد من الذاكرة مشاهد وحوادث تمتد الى ما يقرب من نصف قرن من الزمن واكثر.ولقد عرفت هذا الرجل عندما التحقت بمدرسة العلوم في المدينةالمنورة، في نهاية السبعينيات الهجرية، الخمسينيات الميلادية. وكانت العلوم الشرعية تماثل من حيث الشهرة مدارس الفلاح، التي انشأها آل زينل في كل من مكةالمكرمةوجدة.وكانت المدة الزمنية بين انشاء كل من الفلاح والعلوم الشرعية تقارب العقد من الزمن. فلقد اسست الفلاح عام (1330ه)، بينما اسست العلوم الشرعية عام (1340ه). لقد كان السيد حبيب محمود أحمد مدير المدرسة، بعد وفاة مؤسسها عمه المرحوم السيد احمد الفيض آبادي. وكانت معرفتي لهذه الشخصية ايضا عن طريق الصداقة التي كانت تربط بينه وبين والدي رحمه الله، الذي كان عمدة لحي العنبرية وقباء. وكانت دار السيد حبيب تقع في منتصف شارع العنبرية، من جهة القادم من مكةالمكرمة، وكانت داراً متميزة في بنائها، وتقابل دور آل جعفر وآل عامر الواقعة على مدخل الهاشمية، نسبة الى آل هاشم. كانت دار السيد حبيب موئلاً للضيوف والزائرين القادمين لبلد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما كان يقصدها في معظم أيام الاسبوع جمع كبير من اهالي المدينةالمنورة. وظل السيد حبيب يستقبل الضيوف في داره لاخر ايام حياته التي امتدت لاكثر من ثمانين عاماً، وكان خلالها شخصية فذة شاركت في بناء الوطن. فلقد دخل هذا الرجل في بداية حياته العملية المجلس الاداري، الذي كانت له اهمية كبيرة في اتخاذ القرارات المتصلة بشؤون البلدة الطاهرة، ويبدو انه افاد في مجالسته بجيل سبقه من رجالات المدينةالمنورة.ثم اسند اليه كثير من المهام، وخصوصاً فيما يتصل باشرافه على شؤون الحرم النبوي الشريف، وكذلك رئاسته لمجلس الاوقاف بمنطقة المدينةالمنورة وعضوية مجلس الاوقاف الاعلى، اضافة الى مهام اخرى ساهم من خلالها في خدمة اهل الجوار الطاهر. كان السيد حبيب شغوفاً بالكتاب المخطوط منه والمطبوع، ولهذا انشأ مكتبة تجمع ذخائر الكتب ونفائسها، وهي المكتبة التي تقوم اليوم شاهداً حياً على حبه للعلم والمعرفة.وذلك يوضح مدى تغلغل الجانب العلمي والفكري والادبي في شخصيته منذ نعومة اظفاره، حيث نشأ في اسرة علم ومعرفة. عرف عن هذا الانسان سماحته باتساع صدره بما يقوله بقوله الآخرون، الى الحد الذي أحياناً يصل الى انه يسمع الكلمة النابية من احدهم فلا يلتفت اليها، بل يقابلها بابتسامة تجعل الآخرين يقرون له بالصبر والمثابرة وتقبل الرأي الآخر مهما كان عنيفاً.كما عرف عنه احترامه لكبار السن عندما يقدمون لداره.كما يحظى الصغار الصغار من شباب طيبة الطيبة برعايته وعطفه وحدبه عليهم، وليس له من هدف وراء ذلك سوى ان يشعرهم بمنزلتهم الاجتماعية، وبدورهم في بناء الوطن. كما كان حريصاً على زيارة من يكبرونه من رجالات المدينة والسؤال عنهم.وقد اخبرني المرحوم الشيخ جعفر بن ابراهيم فقيه، والذي كان واحداً من رجالات المدينة في الحقبة الماضية: ان ابا احمد كان كثير السؤال عنه، وكان بمنزلة الاب الروحي، كما كان على صلة بالسيدين الكريمين عبيد وامين مدني، والسيد مصطفى عطار، والشيخ عبدالعزيز الخريجي، والشيخ عبدالرحمن الحصين، والشيخ عبدالحميد عباس، والشيخ حليت مسلم، والشيخ ابراهيم غلام، والسيد اديب صقر، والشيخ عمر بري، وغيرهم.وهذا يوضح الجانب الاجتماعي الذي كان سمة بارزة في شخصية هذا الانسان. لعلي اتذكر موقفاً انسانياً له من مواقف عدة:فلقد توفي احد سكان العنبرية وكان من عامة الناس، فلما سمع بوفاته.. خرج مع جنازته، وشارك اهله مصابهم، وخففف عنهم بكلماته الطيبة والصادقة ما اصاب نفوسهم من لوعة الفراق على فقيدهم.وهناك أمثلة كثيرة يمكن ان تضع ايدينا على هذه الشخصية، التي ظلت محوراً لحياة مليئة بالعلم والمعرفة والنشاط والحيوية، وضربت امثلة رائعة في الحب والتسامح والوداد مع شخصيات المجتمع المدني على مدى اكثر من ستين عاماً. لقد رحل حبيب من دنيانا هذه، وبقيت العلوم الشرعية موئلاً للعلم والمعرفة في البلدة الطاهرة، وشاهداً على ما قدمه السيد حبيب محمود احمد وآباؤه واعمامه، من خدمة للعلم والمعرفة والفكر والادب، وذلك لعمري ما تصبو اليه النفوس، وتتطلع اليه الهمم، وتتشرئب إليه الاعناق.اللهم، ارحمه، واجعل الخير والبركة في ذريته واحفاده، في بلد تشد اليه الرحال، حباً في سيد الكائنات صلى الله عليه وسلم، وطلباً للعلم الخالص في مسجد الطاهر، الذي يحتضن اعظم شواهد التاريخ.ذلك التاريخ المضيء الذي صنعه الاسلام بسماحته وباعتداله، ووسطيته وعالميته.