أكد الإعلامي الكبير تركي بن عبد الله السديري رئيس اتحاد الصحافة الخليجية ورئيس تحرير جريدة الرياض،أن الوطن العربي هذه الأيام هو أحوج ما يكون لهوية مشتركة كونه يمر بأزمات كبيرة كما يمر أنحاء كثيرة منه بحالة تراجع للخلف سواء فيما يخص الاقتصاد الذي هو عصب الحياة هذه الأيام أو فيما يخص تعدد جبهات الصراع القائمة بالفعل التي تتحول إلى دموية في بعض الحالات. وأشار في ندوة بعنوان الصحافة الخليجية وقضية الهوية المشتركة, والتي ألقاها في إطار مؤتمر ومعرض الإعلام والإعلان قطر 2008 الذي أنتظمت فعالياته بأرض المعارض في الفترة من 14-17 من الشهر الجاري أدارها السيد يوسف أحمد رئيس تحرير جريدة "بالقطري الفصيح", إلى أن منطقة الخليج العربي لها عدد من الخصوصيات التي يفترض أن توجد له هوية مشتركة تحميه من الوقوع مما وقعت فيه العديد من البلدان العربية. وأضاف أن من عناصر الصحافة العربية فيما قبل الأربعين عاما الماضية للاحظ أن ما كان يعد تنويرا في ذلك الوقت لم يعدو عن أنه وجهات نظر لفئات سياسية أو حزبية بعينها أدت إلى تشعيب كثير من المشاكل وكانت عاملا في تفاقم العديد من الأزمات وفي المقابل لم تلعب أدوار التهدئة أو تقريب وجهات النظر. ولفت إلى أن العديد من الشخصيات الصحفية في ذلك الوقت كرست لجعل الصحافة ذات منهج سلبي أكثر مما تبنت من مناهج إيجابية, كما استخدمت الصحافة العربية في إحدى مراحلها لتصفية حسابات بين فئات وأخرى في الوقت الذي يفترض فيه أن تكون الصحافة العربية هي النبراس الذي يكشف مكامن الخلل وليست التي تسير في مواقع الخطأ. واعتبر السديري أن حرية الصحافة استخدمت أيضا في أغراض لم توجد لها في الأساس وبمبالغة كبيرة حيث وصلت إلى أن تكون ستارة حماية للتجاوزات بدلا من أن تكون صمام أمان مجتمعيا منوها بأن ذلك لا يمكن سحبه على جميع الصحف العربية ولكنه ينسحب على نوع من الصحافة نعرفها جميعا في الوطن، مشيرا إلى أن هذا النوع يستخدم كأداة لتدمير الاقتصاد الوطني لبلدانها لا أداة داعمة لخطط التنمية تحت ذرائع عديدة. وأوضح السديري أن منطقة الخليج العربي لديها محفزات والتي قواعد لهوية مشتركة لتلك المنطقة تنظم الجهود كما تقرب وجهات النظر في كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك في تلك المجتمعات منوها بأن العقبات التي تواجه هذه الهوية المشتركة هى فقط انغلاق بعض فئات المجتمع الخليجي وليس المجتمع كله, محدودية التجربة لبعض الفئات. وقال إن الهوية المشتركة للصحافة الخليجية المطلوبة يجب أن تواكب أوضاع العالم بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص كما يجب أن تكون هذه الصحافة درعا واقيا ضد المخاطر التي تحدق بالمنطقة بين حين وآخر كما تلعب نفس الدور المرجو منها وهو العمل على تلاقي فكر الشعب الخليجي. وأضاف: دول الخليج تملك ثروات طائلة كما لديها خصوصية في أن عدد سكانها ما يزال صغيرا نسبيا مما يشكل ميزة لم تعد متاحة للعديد من البلدان العربية مما يساهم في قدرة احتواء هذا العدد من ناحية الدولة، كما أن كل فرد يمكنه أن يحصل على حقوقه كاملة، كما لديه الفرصة أن يؤدي واجباته بشكل يرضيه لافتا أن المنطقة قد تحتاج إلى استيعاب العديد من العناصر العربية وغير العربية لسد الحاجة في بعض المناحي مع ملاحظة الحفاظ على التوازن بين الهويات بشكل مقبول. ونبه أن الصحافة في ظل هذا الوضع يجب أن تكون رائدة للعمل المجتمعي في شتى الجوانب التوعوية كما تدون مرشدا إلى مفاهيم كما لها دور تقويمي لهذه المفاهيم أيضا. وأكد أن مسألة الوعي العام هي قضية تهم الصحافة بالمقام الأول كما أن تنمية وتربية الوعي العام هو واجب مشترك بين جميع فئات المجتمع لا فرق بينهم في ذلك ومن هنا فهناك قاعدة يجب أن نتوقف عندها كثيرا وهي أعطني وعيا عاما في أي مجتمع أعطيك حصانة لهذا المجتمع, فمن السهولة بمكان أن نصل إلى تصنيع بمستوى ما أو اقتصاد بشكل ما أما بناء وعي عام فهذا ليس بسهل كما يتصوره البعض. وأضاف فلو تتبعانا أوضاع الدول المتقدمة فلا يمكن أن يحدث مثلا كما حدث في موريتانيا مؤخرا لان الوعي العام لدى المواطن البسيط يعلم معايير المواطنة التي يحملها على عاتقه مما يحمي الأمور من الخروج عن نصابها الطبيعي منبها أن الصحافة الخليجية ملزمة بخلق وعي عام مسئول يحقق التطور والتقدم لأن الوعي العام هو من يخلق المواطن الحارس الدقيق والمواظب على الحفاظ على مقدرات وطنه. وقال إن ما تمر به دول الخليج هي فرصة نادرة ليست سهلة التكرار فإن لم نبن ذلك الوعي العام في غضون الثلاثين عاما المقبلة فربما لن تتكرر هذه الفرصة الذهبية التي نمر بها في دول الخليج، مشيرا إلى أن المسئول الأهم عن هذه المهمة هي الصحافة الخليجية لافتا أن عند وجود صحافة ملتزمة وواعية بأدوارها الاجتماعية وبأهمية المرحلة التي تمر بها المنطقة نكون قادرين على تحريك الأمور إلى الأمام منبها إلى أن منطقة الخليج هي من المناطق المستهدفة ممن لا يعجبهم أن تكون منطقة الخليج متميزة بأوضاع خاصة لا سيما في الاقتصاد على سبيل المثال فنجد أن هناك كثيرا من التشكيك في مصداقية هذا التطور الذي وصلت إليه المنطقة، مشيرا أن المسئول عن تصحيح هذه المفاهيم هي الصحافة الخليجية بالدرجة الأولى. واعتبر رئيس تحرير جريدة الرياض أن الظروف مواتية لذلك التصحيح حيث تمتلك الإمكانات الأكبر سواء المادية أو البشرية من أي صحافة عربية اليوم منوها بأن ذلك وليد متابعة مستمرة لأوضاع الصحافة العربية ومتابعة ما يكتب وما لا يكتب في منطقة الخليج وخارجها. ونوه السديري بأهمية التعليم ومحاولة غرس المفاهيم التربوية التي تنتقد الوضع الخاطئ ومحاولة استيعاب التطوير وهي من مهام الصحافة الحديثة مع مراعاة عدم التصادم عن طريق تمرير وجهات النظر القابلة للنقاش بحوارات من شأنها تكريس المفاهيم الإيجابية مؤكدا أهمية اغتنام الفرصة التاريخية التي تمر بها منطقة الخليج لإقامة مجتمع خليجي ليس مشترك الهوية الصحافية فقط ولكن يجب تأصيل الواقع الجغرافي المشترك مع الحفاظ على خصوصية هذه الشعوب وهذا لا يفسد الهوية المشتركة بل يؤصلها فهناك منا من ينادي بتحرير فلسطين وكان بالأحرى أن يبدأ بتحرير الجزر الإماراتية المحتلة مثلا كما يأتينا من آخر الدنيا من يريد أن يطبق على الشعوب الديمقراطية غير مكترث بأن بعضا من تلك الشعوب لا تملك الخبز. وختم السديرى ندوته بتقريره أن الصحافة الخليجية اليوم تخطت أي نموذج صحفي عربي آخر. وفي تصريح له عقب الندوة قال الدكتور أحمد القديدي رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية والتي مقرها باريس ل(الشرق) إن قضية التربية هي من القضايا المطروحة اليوم على الساحة الدولية،لا سيما العربية لأنها مثل البرج الذي تبنيه حيث يجب أن تلتفت إلى الأساس، والأساس هنا هو التربية وأهم ما فيها هو تحديث فلسفة التربية ومن ثم تحديد أي مواطن نريد غدا وهو السؤال الجوهري الذي يجب أن يطرح في الدول العربية إما كل فرد على حدة أو بالتنسيق عن طريق الآليات العربية مثل الجامعة العربية أو منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للجامعة العربية, وذلك ليحقق ما نتمناه لنا من حرية وتطوير حيث إننا اليوم نعيش في عالم تحكمه العولمة ولا يمكننا الانغلاق على أنفسنا. ونبه أن التربية في العالم العربي لكي نصل إلى ما نصبو إليه يجب أن يعاد فيها النظر بشكل جذري بمعنى أدق وأكثر صراحة وهو أن نشحن تلك التربية بعقلية رفض المسلمات والتعبير الحر عن الرأي لدى الصغار كما يقول أستاذنا في السربون (دومنيك شوفرييه) "بأن الحضارة تمشي ب(لا) ولا تمشي ب(نعم)" تتقدم بالرفض فإن لم يرفض رسولنا الكريم المجتمع الجاهلي الظالم فكيف وصلت لنا مشاعل النور الذي حمله للبشرية ولم يبن أسلافنا الحضارة الإسلامية". ونحن مع ثقافة اخرس السائدة اليوم في الوطن العربي كيف لنا أن نتقدم حيث إننا لن يكون لدينا مواطن مبدع لا خاضع للنواميس والواقع والدليل على ذلك أننا اليوم.. الأمم تصنع، الأمم تصدر، الأمم تبتكر ونحن فقط نستهلك ومن ثم فنحن على منزلق خطير في الوطن العربي والتربية هي العلاج. ------------- عن الزميلة " الشرق " القطرية