الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدةالأمريكية باراك أوباما يواجه ست تحديات جوهرية في منطقة الشرق الأوسط، يجب عليه التعامل معها من خلال إستراتيجية متكاملة، وذلك من أجل الحفاظ على المصالح الحيوية والإستراتيجيى لأمريكا في تلك المنطقة الأكثر سخونة في العالم". بهذه العبارة يمكن إيجاز خلاصات الكتاب الذي صدر منذ أيام قليلة، بالتعاون بين مركز سابان بمهد بروكينجز ومجلس العلاقات الخارجية، تحت عنوان: "إستعادة التوازن.. إستراتيجية شرق أوسطية للرئيس القادم"، حيث يقدم مجموعة من كبار الخبراء والمحللين الأمريكيين لقضايا الشرق الأوسط حزمة من السياسات غير الحزبية، تعد بمثابة خريطة طريق تقدم توصيات لإدارة أوباما من أجل معالجة الملفات الشائكة بالمنطقة. ويحصر معدو الكتاب هذه التحديات الجوهرية التي يجب التعامل معها في سياق إستراتيجية متكاملة في ست تحديات، هي: (برنامج إيران النووي، ومعالجة الوضع في العراق، والصراع العربي الإسرائيلي، وإدارة ملف الانتشار النووي بالمنطقة، وإحداث الإصلاح السياسي والتنمية والاقتصادية والاجتماعية، ومكافحة الإرهاب). يأتي الفصل الأول تحت عنوان "وقت التجديد الدبلوماسي: نحو إستراتيجية أمريكية جديدة فى الشرق"، وأعده كل من من ريتشارد هاس ومارتن إنديك. ويعتبر هذا الفصل بمثابة الخيط الناظم لكل أجزاء هذه الدراسة، وينطلق من أن منطقة الشرق الأوسط تمثل سلسلة من التحديات للرئيس الجديد باراك أوباما. هذه التحديات تتطلب الانتباه الشديد من جانب الإدارة الجديدة، فإيران يبدو من الواضح أنها تنوي أو هي بالفعل قد تخطت العتبة النووية. وهناك الوضع الهش فى العراق الذي يستنزف القوة المسلحة الأمريكية. وهناك الحكومات الضعيفة في لبنان وفلسطين في ظل قوة متصاعدة للميليشيات المسلحة، والمتمثلة في حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين. وهناك أيضا تراجع الأمل في إنجاز اتفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وعلاوة على ذلك، ثمة تراجع في نفوذ وتأثير الولاياتالمتحدة بسبب السياسات الخاطئة التي اتبعت خلال الفترة الماضية. ومن ثم فإن هذه التحديات تفرض على الرئيس الجديد أن يبادر بطرح مجموعة من السياسات التي من خلالها يستطيع التعامل معها بفاعلية، وبما يخدم الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة. وفي هذا الإطار يشير هذا الفصل إلى أن على الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما أن يعيد ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث لا يجب أن يستمر العراق هو القضية الرئيسية كما في الأعوام الستة الماضية. فأوباما يمكن بصورة تدريجية تخفيف الوجود العسكري الأمريكي في العراق، ونقل المسئوليات الأمنية هناك إلى العراقيين، ولكن عليه في نفس الوقت أن يأخذ في الحسبان أن الوضع هناك ما يزال هشا للغاية، لذلك فإن عملية الانسحاب يجب أن تتم بحذر شديد حتى لا يتم تقويض ما تم من إنجازات كلفت الولاياتالمتحدة الكثير خلال العامين الماضيين. ويمكن تحقيق هذا من خلال الاتفاقية الأمنية التي ستحدد الوضع القانوني للقوات الأمريكية في العراق خلال الفترة القادمة. إن عدم الاستقرار الناتج عن الانسحاب السريع من العراق، كما تشير الدراسة، يمكن أن يقوض جهود الرئيس القادم في التعامل مع قضايا أخرى مرتبطة بالقضية العراقية، مثل الدور الإيراني في العراق، ووجود تنظيم القاعدة هناك. كما أن الانسحاب البطيء سوف يبقي القوات الأمريكية مرتبطة بمهام في العراق، الأمر الذي لا يمكن الرئيس من القيام بمهمات أخرى، وعلى رأسها الجهود الدبلوماسية للتعامل مع القصية الإيرانية، ولذلك فالرئيس الجديد في أشد ما يكون إلى سياسة أكثر توازنا في التعامل مع هذا الأمر. وفي كل الأحوال يجب ألا يتم تفسير دعوة الرئيس إلى الانسحاب من العراق على أنها دعوة لانسحاب الولايات من المنطقة، فالشرق الأوسط الكبير يمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة ولعقود طويلة قادمة. ويعود ذلك لعدة عوامل منها: الموقع الجيوإستراتيجي والطاقة والقدرات التمويلية التي تملكها دوله وإسرائيل، بالإضافة إلى قضايا الإرهاب ونزع التسلح. ومن ثم فانسحاب الدور الأمريكى منها سوف يقوض كل هذه المصالح والقضايا الحيوية. وعلى الرئيس أن يركز جهوده للتعامل مع القضية الإيرانية لأن الوقت يمر، وإيران تسير على طريق إنجاز برنامجها النووي، لذلك فإن عليه أن ينخرط بصورة مباشرة في التعامل مع الحكومة الإيرانية دون أي شروط مسبقة، وذلك بالتوازي مع تطبيق مجموعة من السياسات التي تضمن منع إيران من امتلاك القدرة على إنتاج السلاح النوويز وفي سبيل تحقيق ذلك لابد من حشد التأييد الدولي خلف الجهود الأمريكية لتحقيق هذا الهدف. أما بخصوص العمل العسكري ضد إيران، سواء من قبل الولاياتالمتحدة أو إسرائيل إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، فإن ذلك يبدو خيارا غير جذاب بالنظر للمخاطر الكبيرة التي يتضمنها وتكاليفه الكبيرة. وبالرغم من ذلك، فإن هذا الخيار يجب ألا يتم استبعاده كلية، بل يجب مناقشته جيدا من منظور النتائج التي يمكن أن يحققها والمخاطر التى يمكن أن تنجم عن ظهور إيران نووية. ولأن إسرائيل هي أكثر الدول تضرراً من امتلاك إيران للسلاح النووي، وهي الأكثر تفكيرًا في توجيه ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية، فإن على الرئيس أن يجعل إسرائيل أكثر قبولا للتعاطي الدبلوماسي مع هذه القضية، وهذا لن يتأتى إلا بتدعيم قدرة الردع الإسرائيلية، وتزويد إسرائيل بكل الإمكانيات التي تمكنها من الدفاع عن نفسها. أما الأولوية الثانية للرئيس الجديد، فهي العمل على التوصل إلى اتفاقية سلام بين الإسرائيليين وجيرانها العرب خاصة سوريا، والتي ترتبط في الوقت الحالي بعلاقات تحالفية مع إيران وحزب الله وحركة حماس، حيث تبدو سوريا في الوقت الحالى أكثر قبولا لمثل هذه الاتفاقية، كما أن الخلافات بين الجانبين يمكن التغلب عليها. وبذلك يمكن تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة وتقليل الدعم الخارجي الذي يحصل عليه حزب الله، مما يمهد الطريق لاستقرار الأوضاع في لبنان. أيضا على الرئيس أوباما أن يبذل قصارى جهده للتوفيق بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهذا ليس بالأمر السهل، فهناك الكثير من العوامل المعوقة لمثل هذا المسعى، فمن ناحية أولى ثمة حاجة إلى تفعيل الجهود الدبلوماسية من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام، تؤسس على حل قيام دولتين متجاورتين، وهو أمر ما يزال قائما ويمكن الوصول إليه. ولكن هناك على الجانب الآخر الانقسامات في الجانب الفلسطيني، فضلا عن أن قدرة القيادة الفلسطينية على السيطرة على المناطق التي انسحبت منها إسرائيل ما تزال محل علامات استفهام كثيرة، وهذه ظروف لا يمكن أن تساعد على استمرار أي اتفاق للسلام. ولكن لا يجب أن يكون ذلك سبب في التراجع الذي سيكون ضارا للغاية بل يجب أن يكون دافعا لبذل مزيد من الجهود الدبلوماسية. ويلفت هذا الفصل النظر إلى أن الشيء المشترك بين هذه المبادرات في التعامل مع القضية الإيرانية والصراع العربي الإسرائيلي هو إعادة التأكيد على الدبلوماسية، باعتبارها أحد أهم أدوات السياسة الخارجية الأمريكية. وفي هذا السياق سوف تحتاج الولاياتالمتحدة إلى دعم بقية القوى الدولية مثل أوروبا وروسيا والصين، والحلفاء الإقليميين، علما بأن التشاور مع هذه القوى يحتاج إلى وقت ومزيد من المثابرة. ولم يغفل هذا الفصل موضوع الإصلاح في الشرق الأوسط والدور الأمريكي في هذا السياق، حيث يؤكد على أن ما يجري على أرض الواقع في المنطقة يفرض أيضا البحث عن اقتراب جديد للتعامل مع موضوعات الإصلاح هناك. ولا يكمن الحل في التركيز على الانتخابات، خصوصا إذا كانت هذه الانتخابات سوف تعطي الفرصة للميليشيات المسلحة لخوضها وإمكانية أن تحسم نتائجها لصالحها. ولكن جوهر الإصلاح يكمن في عملية تحول ديمقراطي تدرجية تطورية، تركز على بناء قدرات المجتمع المدني وتفتح المجال السياسي للتنافس وتطوير قدرات المؤسسات المستقلة، بما فيها الأحزاب ووسائل الإعلام والقضاء، على أن يأتي هذا بالتوازي مع تشجيع اقتصاديات السوق في هذه الدول. ويختتم هذا الفصل بأنه على الرئيس أن يعي جيدا أن سياسة الولاياتالمتحدة تجاه الشرق الأوسط الكبير سوف تظل مقيدة، طالما ظلت هذه السياسة معتمدة بصورة كبيرة على مصادر الطاقة القادمة من دول الإقليم، ومن ثم الحساسية المفرطة لكل ما يجري هناك، وبالتالي فعلى الرئيس أن يبقي على الدور الأمريكي في هذه المنطقة الحيوية من العالم، ولكن فى نفس الوقت عليه أن يقلل من حساسية هذا الدور للتغيرات والأحداث التي تجري هناك.