الحياةُ ذكريات والذكريات هي الحياة ومن فقد ذاكرته فقد طعم الحياة ..ثمة ذكريات تربطنا بها الأماكن وذكريات أخرى تربطنا بها الأزمنة وبين هذه وتلك ومع إقتراب حلول شهر رمضان المبارك يجيء اسم الشيخ علي الطنطاوي كواحدٌ من معدودين اشتهروا في الإعلام السعودي في زمن كان بث التلفاز محكوماً بساعات معدودة ؛ ومن خلال بضع دقائق من ساعات البث تلك إستطاع الشيخ الجليل أن يطبع إسمه في ذكرياتنا الزمنية ( في رمضان ) من خلال برنامج ( على مائدة الإفطار ) أما الذاكرة المكانية فمازالت المكتبات تحتضن العديد من إنجازاته الأدبية ...وبالنسبة لي ومن خلال كثيرٍ من كتاباته تعلمت الكتابة النقدية وإستمتعت ببعض المشاكسات الأدبية التي لاتخلو من الجَدَليّة الأنيقة في الكثير من رواياته والسرد القصصي الذي يجيء تبعاً بين مقال وأخر جمعتها صفحات كُتب ثمينة للشيخ علي الطنطناوي منها على سبيل المثال لا الحصر ( من حديث النفس ؛ ومع الناس، وبغداد ذكريات ومشاهدات، وفكر ومذاهب ؛ وصور وخواطر .....ولعل أشهرها الكتاب ذو الثمانية أجزاء ذكريات) كذلك ثمة كتاب لحفيدة الشيخ الكاتبة عابدة المؤيد العظم بعنوان ( هكذا ربانا جدي علي الطنطاوي ) هو أيضاً من الكتب الثمينة. هناك توازٍ مُدهِش بين طفولتي وصوت الشيخ علي الطنطاوي رحمة الله فكلما سمعته في مذياعٍ أو في قناةٍ من القنوات شعرت بروحانية رمضان بل وتذكرت ( حي السميري ) الذي سكنته لما يربو عن عقدين ونصف...وتذكرت أصوات المأذن التي كانت تصدح بأذان المغرب في (الحي) وتذكرت تلك الكوادر البشرية التي تتشكل بعد صلاة التراويح لتدفق طاقاتها في سوق العمل بين حدادٍ ونجار وخبيرٍ للمركبات وبائع المتجر ..الكل يكدح بحثاً عن لقمة العيش.. وكثيراً والله ماكانت تنتهي بي حالة إسترجاع الذكريات تلك ( بعينٍ دامعة ) وتنهيدة طويلة ..وزفرة في النفس لأنها أيام جميلة طغت عليها البساطة في كل شيء في مناشط حياتنا بشكل عام وفي شهر رمضان بشكلٍ خاص . اليوم وبعد مرور عقد ونصف العقد على وفاة الشيخ الأديب علي طنطاوي وشهر رمضان على الأبواب لا تفصلنا عنه إلا أربعة أيام أشعر بألم كلما تذكرت طلته من التلفاز من خلال برنامجة الأشهر ( على مائدة الإفطار ) لأني فقدت إنساناً إرتبط صوته ومزاحه وجدّه وكلماته بالسنوات الأجمل في حياتي على الإطلاق ؛فضلاً عن أني كأبناء الأمة الإسلامية عامة فقدناه كعالِم ومُربي وعلاّمه وشيخ جليل أسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يوسع في قبرة ويجمعنا وإياه في جنة الفردوس الأعلى من غير حسابٍ ولا عذاب . عتيق الجهني [email protected]