من منكم لا يعرف الشيخ علي الطنطاوي وبرنامجه « على مائدة الإفطار « والذي كان يعرض في شهر رمضان المبارك ، فقد كان يضفي نكهة خاصة لهذا الشهر الكريم وذلك بأسلوبه الأدبي الجميل والذي كان يزينه باستطراداته العفوية ....... يقول الشيخ علي الطنطاوي عن نفسه : ( لطالما كنت أخطب في الحشد الكبير أو أتكلم في الإذاعة أو الرائي ، فأستطرد وأخرج عن الخط ، فإذا انتهى الاستطراد وقفت كما وقف حمار الشيخ في العقبة ، فلا أذكر من أين خرجت ولا إلى أين أعود ، ولا تسألوني من هو هذا الشيخ ، فإن المثل خلد ذكر الحمار ونسي اسم الشيخ ليعلمنا أن خلود الأسماء ليس الدليل على عظمة أصحابها ) . إن لنا في ذكريات الشيخ علي الطنطاوي وكتبه تسلية ً وأنسا وبالأخص في شهر رمضان المبارك فهي حدائق غناء ذات بهجة تجمع بين جنباتها كل جميلٍ ومليح ، من يرتع فيها لا يخرج إلا وقد تزود من كل فنٍ زاداً ومن كل علمٍ فائدة ، ففيها عبير التاريخ والفصاحة ، وشذا الأدب والبلاغة ، لا يقرأ له قارئ إلا وكأنه يسير برفقته في إحدى زقاق الصالحية أو يرتقي معه على حافة جبل قاسيون . وإنني والله لتخنقني العبرة عندما أمسك بيدي أحد كتبه والتي يظهر على غلافها الجامع الأموي بدمشق أقدم المساجد الفخمة في ديار الإسلام ( حاشا الحرمين ) ، ولكن عزاءنا في حفيده الشيخ « مجاهد مأمون ديرانية « والذي قام مشكوراً بإعادة طبع كتب جده وعكف على مراجعتها وتصحيحها والتعليق عليها « فجزاه الله عنا كل خير « . الطنطاوي معنا بقلبه وإن كان جسده واراه التراب فهو بيننا بذكرياته الجميلة التي لا نفتأ إلا ونتذكره بها مطلع كل رمضان ، يقول الشيخ في ذكرياته « فهذه ذكرياتي ،، حملتها طول حياتي وكنت أعدها أغلى مقتنياتي ، لأجد فيها يوماً نفسي واسترجعُ أمسي ، كما يحملُ قربة الماء سالكُ المفازة لترد عنه الموت عطشاً ...." رحمك الله يا شيخنا وأسكنك فسيح جنانه ..... ودعتُ أحلامي بطرفٍ باكي ولممتُ من طرق الملاحي شباكي غرم صالح الغامدي-الباحة