لم أصدق وربما أنتم ستكونون مثلي غير مصدقين من حجم الإنفاق المهول على الكماليات ، ومستلزمات وعمليات التجميل.هذه الأموال التي تنفق بشكل غير مسبوق ولم نعهده من قبل تشير إشارة واضحة لكل ذي لب على اهتمامنا الشديد بالشكل والمظهر الخارجي ، والذي أصبح وللأسف من أولوياتنا.نقلا عن احد المواقع الإخبارية وبحسب إحصائية أصدرتها الجمعية الدولية للجراحة التجميلية فإن السعودية من ضمن أكثر 25 دولة في العالم تنتشر فيها عمليات التجميل. واحتلت السعودية المرتبة الأولى عربياً ، إضافة إلى ذلك كشفت الإحصاءات الأخيرة لوزارة الصحة عن إجراء 14 ألف عملية تجميل في السعودية. وقدر اقتصاديون حجم إنفاق الأسر السعودية خلال فترة أسبوع واحد يمتد من آخر ثلاثة أيام من شهر رمضان بنحو 13 مليار ريال ، وأن 90% منها ينفق على الكماليات ! وفي خبر آخر ذكرت جريدة المدينة أن حجم الإنفاق في السعودية على مستحضرات التجميل ومستلزمات الأعراس يبلغ 16.8 مليار ريال. إن كل هذه المليارات التي تنفق على الشكل الخارجي للإنسان هي علامات ومؤشرات تدل أولاً بوضوح على مدى تأثير الإعلانات السمعية والبصرية على حياتنا الاقتصادية والاجتماعية . وتدل أيضا على أن الزخم الإعلامي العالمي بكافة أشكاله وأن شبكات التواصل الالكتروني الاجتماعي بأنواعها قد أثرت علينا تأثيرا كبيرا. والأمر الآخر أن المقاييس الشخصية قد تأثرت أيضا فأصبح الشكل الخارجي للإنسان هو المقياس الأول والسائد ، ونتمنى أن لا يزداد الأمر سوء فيصبح هو المقياس الأوحد في المستقبل ! فهل السيارة التي نركبها أو الجوال برقمه المميز الذي نحمله أو نوع القلم أو الساعة أو النظارة التي نلبسها هي التي تحدد من نحن ؟.وهل أصبحت الكماليات تسد الجوع الداخلي لدينا أم أنها تخفي أشياء أخرى ! وهل هي ترضي الذات وتشعرها بالسعادة المادية الوهمية ؟!. نحن لا ننكر أنها من متع الحياة وبعضها أصبح من سمات الحياة العصرية و لكنها في الجانب الآخر ليست من الضروريات. إن المشكلة تقع حين تكون هذه الأمور هي الشغل الشاغل للإنسان وأن تصبح حديث المجالس. وتكمن المشكلة أيضا حين ننفق المليارات على تجميل أسنانا ووجوهنا وأجسامنا ، فحين أن القلب والعقل يكونا آخر اهتماماتنا. تلك المشكلة هي التي جعلتنا هشين من الداخل، فعندما تقع لنا مصيبة أو أزمة مالية أو نفسية تجدنا نجزع ونضطرب لأن المظهر الخارجي الجميل لا يستطيع أن يقينا الصدمات والأزمات ،ولأننا أصبحنا كالبيضة التي لم تنضج من الداخل فأي ضربة أو هزة تكسرنا . لقد نسينا أو نُسيّنا في زخم الحياة العصرية الحديثة أن نحصن أنفسنا من الداخل قبل الخارج وهذا هو الأصح والأقوى. ولو تأملنا المشهد أو الصورة بشكل أكبر لوجدنا أن هذه المشكلة هي حاضرة وبقوة حتى على مستوى الأمم . فقد كنا في العصور المتقدمة نضع جل اهتمامنا على الجوهر والمضمون ، وأما في العصور المتأخرة طغى علينا الاهتمام بالمظهر وأعطيناه أكثر من حقه ، وبذلك أهملنا بناء العقول والقلوب. إننا مهما أنفقنا لن تستطيع عمليات التجميل ولا كماليات الدنيا كلها أن تُجمّل عقولنا وقلوبنا.