إن جزءاً كبيراً من ثقافة المجتمع تتأصل نتيجة للاحتياجات الإنسانية التي تفرضها طبيعة الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وتشكل جزءاً من موروثه الثقافي والاجتماعي. ومن ثقافة المجتمع المكي القديمة أنهم كانوا يقسمون شهر رمضان المبارك إلى ثلاثة أقسام حسب احتياجات الناس ومتطلباتهم في هذا الشهر. فيقولون أن العشر الأول من الشهر للجزارين والثانية للقماشين والأخيرة للخياطين.. وإن كانت هذه التقسيمات قد تبدلت وتغيرت عبر الزمن بتغيير أنماط الحياة ومتطلباتها واكتساح العولمة لمجتمعاتنا وتحول الكثير من الكماليات إلى أساسيات وطغيان ، أولويات لم تكن موجودة سابقاً..حتى أصبح الثلث الأخير من الشهر - عند الكثيرين- ليس للعبادة وتحري ليلة القدر.... وإنما لأمور دنيوية كثيرة ومنها أنها أصبحت ( موسم الكوافيرات ) استعداداً للعيد. حيث تتبارى النساء في هذا الموسم في الذهاب إلى صوالين التجميل للظهور بمظهر الجمال ولأناقة أو بشكل جديد “ نيولوك “ حتى ولو كان غريباً أو نشاذاً في بعض الأحيان !!المشكلة التي أنا بصددها هي أن صوالين التجميل ومراكز الجمال تستغل هذه المواسم أسوأ استغلال بفرض أسعار خيالية بحيث أن كل من تدخل الصالون تدفع بمالا يقل عن ( ألف ) أو ( ألفين ) ريال ما بين قصة الشعر والصبغة وبدي كير ومونوكير. وإذا كان الشعر طويلاً فقد يتضاعف السعر مرتين أو ثلاث حسب وجهة نظر الكوافيرة... وهي أسعار تنهك النفوس قبل الجيوب !! فهل يعقل أن تدفع مثل هذه الأسعار خلال ساعة أو ساعتين ! في حين أن هذا المبلغ قد يكون راتب موظف يكد ويعمل طوال شهر كامل. ولكن لماذا هذه المبالغة في الأسعار ؟ ولماذا هذا الجشع ؟ فلو افترضنا جدلاً أن متوسط عدد الزائرات لصالون في هذه الأيام ما يصل إلى 50 زبونة في الليلة وكل زبونة تدفع بالمتوسط 1000 ريال لأصبح دخل المحل في الليلة خمسون ألف ريال وفي خلال عشرة أيام يصبح الدخل خمس مائة ألف ريال هذا عدا ليالي السنة الأخرى ومواسم الأفراح.. وغيرها.. معنى ذلك أن دخل الصالون يصل إلى الملايين في السنة حيث تدفع المليارات على صوالين التجميل النسائية. ولكن السؤال المهم الآن أين وزارة التجارة من هذا الجشع والاستغلال الغير مبرر للمواطن ؟ وهل ذلك بسبب فخامة المكان والديكور والتشطيب ( الديلوكس ) أم بسبب وجود عاملات مستقدمات من الخارج ولا داعي لهن فواحدة تأخذ العباية وأخرى لإلباس الزبونة الروب أو المعطف وثالثة لأخذ الزبونة للكوافيرة.. ورابعة.... وخامسة... وهلم جرا.. إن جميع هذه الشكليات لا تساوي شيئاً لمن يدفع دم قلبه في ساعات. ثم هناك نقطة أخرى هامة وهي لماذا لا توضع الأسعار في لوحة ويعلن عنها في المدخل ؟؟ لاطلاع السيدات عليها حتى لا يقعن في فخ الدفع الباهظ والحرج أمام الأخريات. ولماذا لا تحدد وزارة التجارة أسعار معقولة يتم تعميمها على كافة الصوالين؟؟ حتى لا يكون هناك استغلال وانفلات في الأسعار. والمشكلة الأخرى الحقيقية هي أن زبائن هذه الصوالين ليسوا فقط من سيدات الطبقة المخملية ولكن أيضاً من متوسطي أو قليلي الدخل... المهم التباهي بالمظهر وأنها قد عملت هذه الترميمات من الصالون الفلاني.. أو الصالون العلاني.. كنوع من التنافس والمجاراة.. حتى ولو أدى ذلك استدانة الزوج المسكين في سبيل إرضاء زوجته في العيد وإلا تقلبها عليه نكد في نكد.. والله يعين من كان له زوجتين أو ثلاث أو كوم بنات.. وخلف الله على الميزانية التي تذهب على الجمال ومستلزماته. وهذا يؤيد تقرير بثته إحدى القنوات الفضائية فذكرت أن النساء في جدة وحدهن ينفقن في العام 2 مليار ريال على شراء أحمر الشفاه !! وهذه مبالغ لو صرفت على إنشاء المكتبات النسائية العامة أو مكتبات الأطفال أو على المراكز الثقافية والأدبية والعلمية لتغيير وجه المجتمع وحققنا الكثير من أهداف أمتنا الإسلامية. أخيراً همستي لحواء تقول : أنت جميلة بسمو أخلاقك وتصرفاتك المتزنة وترفعك عن الصغائر.. أنت جميلة بابتسامتك الرقيقة وبتعاملك الراقي مع كل من حولك... أنت جميلة..بحبك لزوجك وشفقتك على جيبه.. أنت جميلة..بإيثارك لأبناءك على نفسك.. أنت جميلة.. بما تقدمينه للفقراء والمعوزين الذين لا يجدون ما يسد رمقهم ويكفف دمعهم.. وإذا كان الشاعر قد قال يوماً : كن جميلاً ترى الوجود جميلاً... فإنني أضيف إليه : وسيراك الوجود جميلاً.