في الوقت الذي نرتل فيه الآيات الدالة على فناء الدولة الإسرائيلية ونذكر المقدمات الكفيلة بزوالها، يأبى العالم بمعظم دوله وبإصرار، إلاّ أن يتفانى في مد عمرها وإطالة بقائها، وكأن ذلك مكتوب لديه في قراطيس مُلزمة، بأن حياته في حياتها، وبقاؤه في الحفاظ عليها. يكثر القول بين الإسرائيليين بأن اليهودي في (أرض إسرائيل) منذ أن يصحو من نومه إلى أن يمضي لينام لا ينتابه أي إرهاق في جسده، ولا يكون همُ واحد على الأقل في قلبه، لأنه يعلم أن الولاياتالمتحدة - القوة العظمى الوحيدة في العالم- موجودة دائماً من وراء وأمام ويمين وشمال دولة إسرائيل التي تحتويه ويعيش في كنفها. وهو يعلم كذلك، بأنه ما بقيت هذه القوة العظمى تقف على هذا النحو، فليس ما يدعوه إلى أدنى الخوف من أي شيء وفي أي وقت، أو القلق من حيث الرضى والدعم الدوليين في كل زمان ومكان بفضلها أيضاً. منذ الوقت الماضي وفي هذا الوقت، ننظر إلى مائتي دولة قائمة على أقدمها ومجموع سيقانها وبما تملك من عقلٍ وجسد، تلهث من أجل خدمة إسرائيل، أكان ذلك مباشرةً أو بغيرها، وبنسب متفاوتة (بشدة مباشرة- بشدة غير مباشرة - أقل شدة) وحتى الدول القليلة التي تُكن العداء لها، باعتبارها دولة صهيونية عنصرية ودولة محتلة، فهى محظورٌ عليها من أن يؤثر عدائها على مستقبل الدولة، وبذلك تتجلى خدمتها بكف تهديدها لها أو أذاها عنها. تفصيل تلك الخدمة وبيانها على هيكل وكيان إسرائيل، يأتي عن طريقين رئيسيين مهمين، الأول: طريق (دول الرفاه) وهي الدول الأوروبية- بما فيها روسيا-، بقيادة الولاياتالأمريكية، وبغض النظر عن خلافات هنا وهناك تقع فيما بينها، فإنها لا تعدو مجرد نهفات زائلة، لا تمتد آثارها إلى دقائق معدودة، فالأب أو الأم يمكن لهما لوم ابنهما وتعنيفه أحياناً، لكنهما لا يستطيعان أن يتحملا بالمطلق غيابه عن المنزل. هذه الدول ما فتئت توجه الانتقادات لإسرائيل، أكان ذلك بسبب سياستها بالنسبة للعملية السلمية وبشأن عرقلتها لاستحقاقاتها، أو لعلة عنادها في مواصلتها النشاطات الاستيطانية، أو بسبب سياستها القائمة على العنصرية والأبرتهايد ضد الفلسطينيين الذين تحت الاحتلال أو فلسطينيي الداخل. أيضاً غضِب الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" من رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" في أكثر من مناسبة، ولجوء عدة دول غربية إلى وسم بعضاً من منتجات المستوطنات الإسرائيلية، هي في مجملها إجراءات ليست عملية ومن غير فائدة، وما ينسفها ويقوم مقامها هو ما يأتي على شكلين، الأول، الدعم الغربي الكامل لإسرائيل، والذي يتجلى بالإمدادات الأمريكية المتلاحقة و(الاستثنائية) من عتاد وأموال، وبقية الدول الغربية التي تدفع بسخاء، والدول الصديقة الأخرى. وهناك دول صديقة وحليفة والتي يهمها أمن وسلامة إسرائيل، تتوضح من خلال إعطائها الحق في انشاء قواعد عسكرية ومخابراتية على أراضيها والتعاون معها في مجالات اقتصادية وأخرى. الشكل الثاني، وهو الذي يأتي عن طريق لجوء تلك الدول، إلى منع الحاجة من العتاد والسلاح عن الدول العربية أو المناهضة لإسرائيل، ومن ناحيةٍ أخرى الإحجام عن إتاحتها لتلك الدول –بأموالها- أن تأخذ جانباً من العلوم والتقنية الخاصة بتنمية الشعوب وتطورها، واقتصارها على إسرائيل فقط. أمّا الطريق الآخر، وهو الذي يشتمل على الخدمة الأهم، والتي تسديها الدول المختلفة الأخرى، وهي (دول الشقاء) ، والتي تُسهم –بقصد أو بغير قصد- بفعالية أكبر في إطالة عمر الدولة الإسرائيلية إلى ما بعد 65 عاماً، وهو الأمر الذي لا يستطيع أي (عروبي) أن يرفع رأسه لبرهة لشدة شعوره بالألم والمرارة من جراء ما حدث ويحدث وما سيحدث مستقبلاً ترتيباً على ذلك، وهو ما نراه بائناً بينونة صارخة مما تنضح به أوعية معظم الدول العربية، من قتال وعراك وتنافس وتناحر وجدال ومناكفات، ليس لها من أول حتى يكون لها من آخر. وقائع مخجلة وأحداث مميتة يقبع العالم العربي تحت وطأتها، ولا جارٍ في الإصلاح ولا آبه بالمعقبات. وإذا كان أول ما يأتي الدور، فإن الفلسطينيين هم من يأتي اسمهم في أول (الليستة) القديمة الجديدة بحكم صلتهم المباشرة بالصراع العربي- الإسرائيلي. وفي ضوء ما سبق، فإنه يحق لإسرائيل أن تلهو وتلعب وتنشكح وتطرب، على حساب الأمة العربية – كرامة ومقدرات- كما يحق بنفس الدرجة أو لأعلى قليلاً لقرصانها "نتانياهو" أن ينفش جسده ويكشف عضلاته على كل حلبة، وأن تحكه أصابعه محبة أن يضغط على الزناد. فمن يراه في كل مناسبة يتشدد تارة ويهدد أخرى، فإنه يجزم أن ذلك مردّه صنع أيدينا. وإن قلب الشعار- العنوان في الأعلى- إلى أصله وحقيقته، ما زال بيننا وبينه أكثر من مسافة، إلى حين أن نعلم بأن الله تعالى هو الحق.