يضحي الإنسان بأعز ما يملك وهي النفس في سبيل وطنه ودينه وحريته و أيضا ماله وأبنائه ولا يبخل بشيء وعندما يشعر بأن الخطر يداهم بلاده ودينه وحريته يهب من تلقاء نفسه وينزل إلي ساحة الوغى لا يضع أي شروط أو ثمن مقابل ذلك .وهذا ما شاهدنه في ثورتنا المجيدة فهب الجميع في ثورة عارمة علي الطاغية والكل ساهم منهم من قدم نفسه فداء لوطنه وحريته ومنهم من قدم كل ما يملك من المال والممتلكات العينية التي تم استخدمها أثناء الثورة ومنهم من تبرع بدمه لعلاج الجرحى الذين سقطوا في الجبهات وشاهدنا الجميع يساهم في إنجاح الثورة وكل حسب إمكاناته ولو كانت محدودة ورأينا الألفة والمحبة والمودة غمرت الجميع وأصبحنا نشعر بألم الآخرين ومصاب أخوتنا في الشرق والغرب وأمضينا وقتا عصيبا في خضم هذه الثورة والملحمة التاريخية من عمر بلادنا والكل رجال ونساء وحتى الأطفال شاركوا في هذه التضحية من أجل هذا الوطن الذي يستحق من الكثير والكثير من أجل تطويره ورفع منه عاليا إلي مصاف الدول الراقية . ولكن بعد التحرير دخلت الفتنة والتباهي بمن قام بالثورة وبمن قدم الدعم لها ورأينا التخاصم بين الأخوة الذين كانوا علي قلب رجل واحد أثناء معارك التحرير وبدأ التفرق والصراع ، وخروج الجماعات وبدأ المشهد يتحول إلي تكتلات هنا وهناك والكل ينسب نجاح الثورة له وأنصاره . ولقد تناسينا الشعارات التي هتفنا بها وهي قيام دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية والجميع تحت القانون وتحقيق العدالة للجميع ، ولكن شاهدنا المحبة والمحسوبية والمجاملة والتعصب لبعض الأفراد هنا وهناك مما أثر علي أداء الدولة في بداية الطريق وسبب ذلك أهدار المال العام وتغيرت أفكارنا ورجعنا إلي ما كنا عليه في أيام الطاغية لا هم لنا إلا جمع المال بأية وسيلة وتركنا مشاريعنا وبناء دولتنا وتطويرها واللحاق بالدول المتطورة والمتحضرة ، والحسنة الوحيدة هي أجراء الانتخابات النزيهة بشاهدة المؤسسات الدولية والأممية وانبثاق كيان شرعي لم يحدث منذ ستين عاماً . كنا نأمل من التوافق الوطني أن يخطوا خطوات جادة لتفعيل مؤسسات الدولة المنهارة والتي تريد وقفة جادة لإعادة بنائها علي وجه السرعة لكسب الوقت الذي لا نعير له أي اهتمام وهو الثمن الذي نخسره في جميع المجالات ، ونحن لسنا كمثل دول ربيع العربي التي ورثت مشاكل مادية سيئة وهي تبحث على من يقدم لها يد العون من بعض الدول الكبرى والبنك الدولي لإنعاش اقتصادياتها المنهارة ، والحمد لله بلادنا لديها ما يكفيها من العملات الأجنبية والأرصدة الموجودة في البنوك الدولية والتبادل الاقتصادى ودخول هذه الأموال تنعش اقتصاد بلادنا . وعلينا عمل كبير لنهضة جميع المدن التي هي شبه مدمرة ليس بها بنية تحتية في جميع القطاعات التعليمية والصحية والأمنية والاجتماعية والمالية والثقافية والأخيرة هي إحدى الدعائم التي يجب أن نعمل علي تغيير ثقافة الشباب التي ورثها من أفكار ( وهي تدمير ممتلكاتنا بأيدينا من أجل إشباع رغبتنا الشخصية بأي وسيلة ولو كانت تدمير بلادنا من أجل حفنة من المال والكسب الزائف الذي أغرقنا فيه هذا التغميم اللعين ). ونرجو من الله العلي القدير أن يرجعنا لتلك الأيام الرائعة ونحن علي قلب رجل واحد من أجل تحرير بلادنا ونأمل أن نكون علي قلب رجل واحد لبناء بلادنا ونترك النزعات والأنانية ونصفي نفوسنا من الإضغان والحقد والحسد لبعضنا البعض ، ولنجعل هدفنا تحقيق أهدافنا في دولة مدنية ديمقراطية تسود فيها النزاهة والشفافية ولنفشي النية الحسنة ولتسود فينا روح الوطنية ولنرجع بذاكرتنا إلي شهدائنا الذين ضحوا بأنفسهم من أجل رفع هامة هذا الوطن عالية بين الأمم الأخرى ولا نضيع دماء شهدائنا هباء.