انتهت الانتخابات الإسرائيلية وبدأ النزول من أعلى الجدار، حيث كان المهتمون من ساسة ومحللين وخبراء بالشأن الإسرائيلي وعلى مستوياتهم، ينظرون بشغف وترقّب إلى النتائج النظرية والعملية المترتبة على العملية الانتخابية والمتوقعة– تداعيات أو استشرافات- حول كيفية تشكيل الحكومة الإسرائيلية التالية، في ضوء ما أسفرت عنه الانتخابات، بناءً على الرؤى والقتاعات المختلفة لأولئك المهتمين بها وعلى اختلافهم.هناك من رأى بأم عينه، هزيمة اليمين الإسرائيلي (الإنغلاقي) بقيادة الثنائي "نتانياهو- ليبرمان" (إسرائيل بيتنا) حينما انخفضت أعداد مقاعده في الكنيست الإسرائيلي إلى 31 مقعدأ. وانعطافة مهمة ومبشّرة، باتجاه اليسار والوسط، من خلال ثقة شريحة مهمة من الشارع الإسرائيلي التي أولتها لليسار(الانفتاحي) وكان لها الفضل في إبراز الحزب الجديد (هناك مستقبل) بقيادة صغير السن "يائير لابيد". بالإضافة إلى النتيجة المقبولة في هذه المرحلة بالذات، التي حصلت عليها "يحموفيتش" رئيسة حزب (العمل) إضافةً إلى ما حازته الأحزاب العربية الأخرى. بدلالة أن الأحزاب الصهيونية، صعدت على حساب الأحزاب اليمينية والدينية. لكن هناك من رأى عكس ذلك تماماً، والذي يعني أن اليمين قد عزز مكانته، وإن لم تكن في اعتبارية حزب الليكود، مع عدم تجاهل صعود رئيس(القيادة اليهودية) داخل حزب الليكود، والأكثر تشدداً وخليفة "نتانياهو" المستقبلي على ما يبدو، الحاخام "موشيه فايغلين" الذي ضمن أول مقعد برلماني ليكودي، عوضاً عن المنشق "إرييه إلداد" الذي قد يعود ومن معه لأحضان الحزب في وقتٍ ما. فقد تبين ذلك التعزيز بوضوح، خلال تصاعد رصيد الأوراق الصادرة حديثاً لحزب (البيت اليهودي) الأصولي القديم بحلّته الجديدة، الذي تأبّد في أسفل القاع داخل الكنيست ولم يُشكل إلاّ عبئاً فقط طيلة سنوات طويلة فائتة، وشُوهِد الآن وقد وثب وثبة غير متوقعة (بقوة الجيش) حاز خلالها 12 مقعداً بسهولة. كما أن سعي "نتانياهو" باتجاه جلب المتمرد سابقاً والقاصي حالياً زعيم (كاديما) "شاؤول موفاز" إلى صفوفه نظراً لكمية الثقل الزائد عن الحد لمقعديه اللذين حازهما في الانتخابات، سوف يحصل عاجلاً أم آجلاً. صحيح، إن حزب (الليكود بيتنا) بقيادة "نتانياهو- ليبرمان"، كان ومازال يُعلن صراحةً عدم انجذابه نحو العمل مع الفلسطينيين لتسوية (عملية) للقضية الفلسطينية، تبعاً لبرنامج الحزب الذي تكون من مجموع برنامجي الحزبين(الليكود وإسرائيل بيتنا). حتى تُستوفى شروطه التي وضعها أمام أية تسوية، وأهمها الاعتراف بالدولة اليهودية – ولم يكتفِ عند ذلك - وترك العمليات الاستيطانية على حالها وعدم الخوض في قضايا حق العودة الفلسطيني ومعاناة الأسرى، وغيرها من القضايا المتعلقة، ومن ناحيةٍ أخرى فإن "نتاياهو" لا يرى في الرئيس "محمود عباس شريكاً للسلام. والآخر هو من يحبّذ قتله إن أمكن أو نفيه على الأقل. ناهيك عن العداء (المركّب) باتجاه قطاع غزة وحركة المقاومة الفلسطينية(حماس والجهاد) تحديداً. على أي حال، وبإمعان النظر حول دفع الحكومة الإسرائيلية ضريبة (كلامية على الأقل) نتيحة سلوكها في إدارة شؤون الدولة، من حيث التركيز على القضايا الاقتصادية - الاجتماعية الداخلية. أو القضايا الخارجية: المفاوضات، والعلاقات مع بقية الدول الأخرى بما فيها العلاقات مع الولاياتالمتحدة، فإن الانخفاض الذي هزّ رصيد (الليكود بيتنا) لم يؤثر في الدعم باتجاه تلك القضايا، وهذا يرجع إلى أن معظم الناخبين الإسرائيليين يفضلون "نتانياهو" كزعيم، ويتجاوزون به عن كل مرشح آخر. باعتباره الوحيد القادر على إيجاد الحلول الناجعة للمشكلات الداخلية، وقدرته على خلق احتمالات مناسبة للسلام مع الفلسطينيين لاسيما في ضوء التاريخ الحافل للحزب منذ توليه السلطة لأول مرة منذ العام 1977، الذي هو وحده الذي صنع السلام مع العرب، بدءاً بتوقيع اتفاقيتي(كامب ديفيد) مع الرئيس المصري "أنور السادات في العام 1979. وإذا تفحصنا البرامج الحزبية والمبادئ العامة، التي لا سبيل لتغييرها أو المساس بها لدى الفكر السياسي والعقدي لأحزاب اليسار ويسار الوسط (المنفتحة)، نرى أنها متشابهة إلى حدٍ كبير من حيث الجوهر والمضمون مع أقرانها من الأحزاب اليمينية (المنغلقة) وهي تُثبت في كل حين وفي كل مرحلة، ولكن بهياكل متنوعة وقوالب مختلفة. وخاصة في كل ما هو (ديني) والكل يعلم بأن جميع الأحزاب اليهودية التي تأسست في الخارج وقبل قيام الدولة أو بعد قيامها، هي أحزاب قامت على أسس (دينية) وخاصةً الأحزاب التي تقول بالعلمانية. ولهذا درجت الأحزاب اليهودية على الاقتداء بالقواعد الدينية كأساس لكسب الجماعات اليهودية، ومن ناحيةٍ أخرى إيماناً بمباركة الرب، ولهذا كانت من أهم خصائصها التي اتسمت بها طوال الوقت. ويمكننا في هذا السياق القاء نظرة – مثال- على مطالب النجم الجديد والشريك المعضلة "يائير لابيد" زعيم (هناك مستقبل) فيما إذا كان سيدخل في ائتلاف حكومي بقيادة "نتانياهو"، المقترنة مع التهديد المباشر لرئيس الوزراء الاسرائيلي "نتانياهو" بعدم الانضمام إلى الائتلاف الحكومي برئاسته إذا لم يقبل شروطه، وهي: المساواة في تقاسم أعباء الواجبات الوطنية(قانون تال) ومتعلقاته، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، وتقليص عدد الوزراء - وزراء الليكود على نحوٍ خاص- في الحكومة المقبلة. لكن تفصيلاً لبعضاً من تلك الشروط التي منها ما يدور وراء الكواليس وما هو مُعلن، وأهمها: القدس غير قابلة للتقسيم، الحفاظ على الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية ومنطقة الأغوار وإبقائها تحت السيطرة الإسرائيلية، ولا حديث عن حق العودة الفلسطيني، وكل أبناء 18، بمن فيهم الأصوليون و(العرب)، سيخدمون في الجيش الإسرائيلي. وعلى ما تقدم، فإن سنن الحياة (تفرض) لمقابلة كل ما ورد، أن تبادر القيادات والشخصيات الوطنية الفلسطينية إلى إحداث (معجزة) أو تكوين ما يشبه المفاجأة، نحو تحقيق المصالحة الوطنية، بين حركتي (فتح وحماس) وباقي التنظيمات الفلسطينية الأخرى، باعتبارها ليست من الأمور المطلوبة وبشدة وطنياً وحزبياً واجتماعياً فحسب، بل للحفاظ على المكانة الفلسطينية وترسيخ وجودها أيضاً. لكن برغم ما حدث من انعكاسات انتخابية إسرائيلية مختلفة ومتباينة على الساحة الفلسطينية من ناحية، وأحاديث تدور هنا وهناك عن المصالحة، إلاّ أن المرء يظل في حالة من عدم اليقين والشعور بالإحباط. أرجو أن أكون مخطئاً.