لا أعلم إلى الآن مبرراً مقبولاً لإطلاقهم مسمى الربيع العربي على الثورات العربية وهو ضرب من رومانسية الحلم كما أعتقد أكثر من كونه حدثاً ربيعياً يحقق العدالة الاجتماعية كما ظن الكثيرون. فأي ربيع هذا الذي أتى بالتشدد العصابي الأعمي الذي تجاهل كل قيم الإسلام النبيلة فخرج الناس على بعضهم بالعصي والحجارة والرصاص وكثر الهرج والمرج وإزهاق الأرواح. وأصبحت تهم الالحاد والفسق وغيرها من الكلمات المفخخة سهلة في كل فم وجاهزة ليلقيها الناس بكل بساطة على الآخرين متجاهلين أن تكفير الآخريين بدون دليل شرعي من أعظم الذنوب. والتفت الكثيرون إلى تكريس المظهر الديني المتمثل في إطلاق اللحي وتقصير الثياب على المخبر والجوهر الذي دعا له الإسلام،وكأن هذا المظهر أصبح كافياً وحجة لينطلق بعدها من يشاء ويفرض مايشاء وفق تفسيراته الشخصية أو تأويلات شيخه على الآخرين ولو بحد الرصاص،وكأن الإسلام اقتصر على أصحاب هذا المظهر دون سواهم وذلك تغليب قسري لقشور الدين على جوهره الخلاق المعنى بالسلوك. واعتلى مفهوم المريدين الذين يفعلون مايؤمرون دون أدنى معارضة للمجتمع في وجه أي إشارة للاختلاف فتوالت المليونيات والتهديد بتجييش المجتمع في اتجاه متشدد في ظل الارتباك الاجتماعي وضعف قدرة المخالفين لهم على افتعال الحشود،وقد تجاهل الكثيرين الأمن الاجتماعي الذي من شروط تحقيقه عدم الإفساد ف] الأرض بإزهاق الأرواح وتدمير المقدرات الضعيفة أساساً، متناسين أنهم قد بدأوا الحركات بدءاً باحتجات سلمية ضد انتشار الفساد والركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية، ولكن التعنت والتمسك بالسلطة حتى الموت أبى إلا أن تخالطها الدماء، ولا نعرف إلى متى سيتوقف هذا السيل إذا تكرر هذا السيناريو المقيت من ثوار الأمس حين أصبحوا جلادي اليوم.أصبح الاحتكام إلى سياسة الإرغام بديلاً عن الحوار هو الأمر السائد والأخذ بالتبلور في معظم البلاد التي شهدت هذا الخريف وبدا أن الأمر في ظل تفكيك دولة المؤسسات وتكريس الانفرادية ماهو إلا تغيير من سلطوية متفردة إلى أخرى أكثر تفرداً وتقزماً في اتجاه فئوي محدد متطرف لم تتغير فيه إلا الوجوه والأسماء، والشعوب تائهة بين رحى الاستقطاب تحاول أن تجد نفسها وأحلامها المجهضة وتتمسك ببوادر الأمل في حياة عادلة ناضلت من أجلها بكل غالٍ وثمين. وأى ربيع هذا حين يتدهور الاقتصاد المتداعي أساساً ويشمخ صندوق النقد الدولي بشروطه ثم يولي الأدبار وتسقط العملة والبعض مشغولون بتقليص عمر الزواج للنساء والعودة بهن إلى عصور الظلام قدر الإمكان باجتراح الفتاوى المتوالية متجاهلين أن المرأة وقفت وضحت وقدمت الكثير في هذة الثورات. وأى ربيع هذا الذي أجج الطائفية في أقوى صورها وغلبها على مصلحة الوطن فتقزم الكثيرون في عدائية وخوف مفتعل في ردائها وبسطوا ظلالها على كل نواحي الحياة متجاهلين التعايش السلمي الذى عاشوا فيه قروناً والذي مهما علت أخطاؤه فلن يكون بديلاً للأمان. وأى ربيع هذا عندما يتحول المجتمع من قوة الدولة وجيوشها وشرطتها فينشد امانه في المليشيات الطائفية او الحزبية التي اصبحت فى بعض البلدان اقوى من جيوش الدولة الامر الذى اضعف القوى المركزية للكثير من الدول وجعلها مسرحا للتنافس الاقليمي والدولي الساعي الى تشكيل خريطة سياسية واجتماعية جديدة للمنطقة العربية وقد تنجح في ظل كل تلك الفوضى والارتباك. وهنا يبرز سؤال عميق عما حققه الربيع العربي اذا راق لنا تسميته بذلك وهل كان حدثا تاريخيا ديناميكياً فاعلاً اتى بالأفضل أو حتى تدرج له بحيث يحسب للشعوب وليس عليها. والإجابة تتطلب تحليلاً دقيقاً لكل ماحدث وسوف يحدث باعتباره اختباراً حقيقياً امام التاريخ والشعوب والعالم، ولعل الاحداث المتوالية بتغيراتها سوف تؤكد لنا إذا كان ذلك ربيعا تستقر زوابعه تدريجيا أم خريف يسقط كل الاوراق. وتكاد الدينامكية التي أتت ببعض النسمات الباردة ضد الموات العميق الذي كانت الشعوب تستمرئ الإقامة في ظله هى من الحسنات القليلة لذلك الخريف اما استمراريتها وتشكلها وانفصالها عن ماضٍ متحجر إلى حاضر مستشرف للوقائع وآمال وتطلعات الشعوب الصابرة فذاك في ذمة الأحداث قد يأتي أولا يأتي.