في الأسبوع الماضي، تداول موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" مقطع فيديو يرصد دهس أحد المفحطين لمجموعة من المتفرجين الذين تواجدوا في الموقع للمشاهدة.. وتظهر السيارة في المقطع وهي تسير بالخلف حيث عجز قائدها عن السيطرة عليها، مما جعلها تتجاوز الطريق وتدهس عدداً من المتفرجين في مشهد مأساوي. وفي شهر أكتوبر الماضي، انتشر مقطع فيديو يظهر مجموعة من الشباب المستهترين بأرواحهم وأرواح الآخرين وهم يمارسون عملية التفحيط في أحد أماكن التجمعات الشبابية في مدينة الدمام، ويبتكرون طريقة جديدة لجذب الأنظار إليهم عبر إطلاق النار بشكل عشوائي من أسلحة نارية، وبحسب التحقيقات فقد تسبب ذلك في مقتل أحد المتجمهرين ويبلغ من العمر 26 سنة، وإحراق إحدى السيارات التي كانت تقف بالقرب من الموقع، ووقتها تم القبض على المفحط المطلوب جنائياً والملقب ب"جهيمان" واثنين من مرافقيه. تلك حالتان من حوادث كارثية مؤلمة شهدتها بلادنا عبر عقود من الزمن.. تفاقمت فيها مشكلة التفحيط حتى تحولت إلى ظاهرة تؤرق المجتمع السعودي، وتنفطر معها قلوب الأمهات حزناً على فلذات أكبادها.. في ظل تزايد خطير للعديد من المواقع الإلكترونية المنتشرة على شبكة الإنترنت والتي توفر معلومات هامة وكثيرة عن أماكن التفحيط والمفحطين ومواعيد التجمع، ليتجلى مع كل ذلك سؤال عريض ومهم جداً.. إلى متى يستمر مسلسل التفحيط دون ردع قوي من أصحاب القرار ودون عدم مبالاة من أولياء الأمور، وكأن في ذلك دلالة على وجود انفلات تربوي واضح داخل الأسرة؟ وقبل الإجابة، علينا أن نعترف بتقصير المجتمع تجاه فئة الشباب، الذين يبدو أن كثيراً منهم قد ضاقت عندهم وسائل الترفيه فاضطر بعضهم لممارسة سلوكيات خاطئة مثل التفحيط، في ظل قلة الوعي لديهم بهذه الظاهرة الخطيرة، حيث إن رياضة السيارات تخضع لجميع ماتتطلبه الرياضة من شروط من الناحية الجسدية ووجود الموهبة وتوفير التدريب المناسب، وهي رياضة لا تمارس على الطرقات، وإنما على حلبات متخصصة تتوفر فيها جوانب السلامة والتدريب، وفي داخلها يظهر السائقون مهاراتهم وقدراتهم في التحكم في سياراتهم وسط إجراءات عالية من التنظيم الفني وضمان وسائل السلامة لهم. ولذا نحن بلا شك في حاجة ماسة إلى إنشاء مثل هذه الحلبات من أجل القضاء على ظاهرة التفحيط المؤلمة، ولعلنا هنا نستذكر مبادرة أمير المنطقة الشرقية، الأمير محمد بن فهد في شهر أكتوبر الماضي، عندما وجه الجهات المعنية بإنشاء حلبة لسباق السيارات بالمنطقة مجهزة بأحدث التقنيات اللازمة وتتوفر بها وسائل الأمن والسلامة الضرورية، وما نأمله الآن هو تفعيل هذه المبادرة وسرعة إنجازها في أقرب وقت، وأن لا تقتصر فقط على المنطقة الشرقية، بل تكون مثل هذه الحلبات متوفرة وموزعة على كافة مناطق ومدن المملكة والتي أصبح التفحيط فيها ظاهرة، وتكون رسومها ميسرة ومعقولة حتى لا تكون نخبوية أو مقتصرة على أولاد الذوات القادرين على دفع الرسوم الغالية، ونحن بذلك نكون قد نجحنا في تنظيم رياضة سباق السيارات في أماكنها المناسبة، لنحفظ أرواح شبابنا، ونجعلهم يمارسون رياضتهم بكل أمان، ونضمن لهم مكاناً نظيفاً يمكن الالتقاء فيه، بعيداً عن الشوارع وتحت إشراف مناسب. وهناك اقتراح آخر أرى أنه من الضروري بمكان الأخذ به والعمل به في أسرع وقت، وهو إنشاء شعبة في إدارات المرور بمناطق المملكة المختلفة تحت مسمى "شعبة مكافحة التفحيط"، وهي شعبة تعنى فقط بمكافحة التفحيط، تستقبل بلاغات التفحيط وتتعامل معها حسب الأنظمة المتبعة ووفقاً للعقوبات المقررة، ويتواجد أفراد هذه الشعبة بشكل سري في الطرق العامة وأماكن التفحيط المعروفة للمراقبة واتخاذ الإجراءات المناسبة، سعياً نحو القضاء على هذه الظاهرة التي أصبحت مشكلة تهدد الوطن أمنيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. كاتب وباحث أكاديمي