تعاني مجتمعاتنا النامية من ازدياد نسب الطلاق بين فئة الشباب من المتزوجين حديثا أو ممن هم حديثُ عهد بالأبوة ولديهم طفل أو طفلان وعند مناقشتهم عن أسباب الطلاق ينطلقون في الحديث عن معاناتهم الأسرية وتعذر استمرارية زواجهم ومن ثم يبدأون في سرد ملف المشاكل الذي بدأ مع بدايات أيام زواجهم الأولى، رغم أن بعضهم تم زواجهم بقناعتهم واختيارهم دون أي ضغوط أو تدخل من أهلهم ويكونون قد مرّوا بتجربة حب طاهر عفيف توّجوه بالزواج خلاف بعضهم ممن تزوجوا بناء على رغبة واختيار أهلهم. الغريب في الأمر أنه في كلا الأمرين يحدث الطلاق سواء الزواج المبني على حب وقناعة أو الآخر المبني على ترتيب الأهل. ما نعيشه على أرض الواقع يعكس حقيقة موضوع اجتماعي مهم يستدعي الوقوف عنده لدراسة أسبابه والعمل على إيجاد حلول جوهرية تساعد على رأب الصدع وديمومة الزواج واستقراره. الملاحظ في الأمر أن هناك أسبابا يسوقها الشباب كمبرر لطلاقهم ، ويأتي في مقدمتها خيانة أحد الطرفين للآخر وفي الغالب الزوج هو المتهم كونه لم يراع قدسية الحياة الزوجية، وتوريطه نفسه في علاقة مع امرأة أخرى دون تفكير في عواقب هذه العلاقة على أسرته الصغيرة، وعند سؤاله يبرر خيانته بسوء معاملة زوجته له، وغيرتها المدمرة وغير المبررة، وشكوكها المستمرة التي لا تنتهي حتى تبدأ من جديد بأحداث أخرى، ومحاولتها السيطرة عليه بإصرارها على أن يقدم لها كشف حساب مفصل بكل حركة يتحركها دون مراعاة لمبدأ الثقة الذي يفترض أن يسود علاقتهما الزوجية، أو احترام لمساحة الحرية التي يجب أن ينعم بها كل منهما. ولا يقل عنه أهمية غياب لغة الحوار بينهما والتي غالبا ما تتحطم عند أول انطلاقة صراخ تصدر من أحدهما ضد الآخر والاسترسال في كيل الاتهامات له دون مراعاة أو احترام لمشاعره وأواصر العشرة التي تربطهما. ويأتي الخلاف على الأمور المادية وحسن إدارتها في مقدمة الأسباب المؤدية للطلاق وبالذات عندما يعاير أحد الزوجين الطرف الآخر بأنه لولا قيامه بالصرف لانتهت حياتهما وتوقفت، وتشرد أبناؤهما، أو يتهمه بسوء التصرف والتدبير فيما يخص الأمور المالية والإنفاق غير المتوازن والاهتمام بالكماليات على حساب الضروريات دون وعي أو تقدير بسلبيات هذه التصرفات على المستوى المعيشي للأسرة. ويأتي مسلسل الدخول في دوامة العنف الجسدي واللفظي والنفسي من ضرب وشتم وإهانات وتهديد بالطلاق ليسارع في عملية العد التنازلي لانهيار الأسرة , ويتصدر فتور العلاقة بين الزوجين واختلاق الأسباب المُعوّقة لها بداية النهاية في كيان حياتهما الزوجية ويزيد الطين بلة غلبة الشعور بالملل والروتين والفراغ العاطفي الذي يعتري كلا منهما. وتتضاعف شقة الخلاف ويُزيد حدتها جهل كل طرف منهما بمفهوم الحياة الزوجية وطبيعة المسؤوليات والحقوق والواجبات المترتبة عليها حياتهما الجديدة المخالفة لنشأتهما التي تربيا عليها في أسرتيهما و التي تعوّدا فيها على الاتكالية وعدم تحمل المسؤولية. ويأتي تدخل الأهل غير المبرر في كل صغيرة وكبيرة تعترض حياة أبنائهم ليعجل من هدم حياتهما الأسرية ويزيد النار اشتعالا خلاف الأبوين على تربية أبنائهم واتهام بعضهم البعض بإفساد هم وعدم تربيتهم التربية السليمة , كل هذه الأسباب مجتمعة أو منفردة تدق ناقوس الخطر في ردهات الحياة الزوجية وتحتاج لمن يعيها ويتصدى لها بكل حزم وإصرار وموضوعية سواء من الأزواج أنفسهم أو ذويهم من ذوي الحكمة والخبرة والحنكة وتحمل المسؤولية أو من المختصين في المؤسسات الاجتماعية المعنية بشؤون الأسرة والمجتمع عن طريق الحملات التوعوية التثقيفية عبر وسائل الإعلام المختلفة وبرامج الإرشاد الأسرية. لا ننسى أن الأسرة نواة المجتمع ودعامته الرئيسة فباستقرارها يرقى المجتمع ويتطور.