بالقرب من بلدة العبيدية قضاء مدينة بيت لحم توقفت حافلتنا على تلة تطل على مدينة القدس ومسجدها. نزل الطلبة وبدأنا نقلب معهم خارطة القدس المصادرة التي امتلأت أرضها بمغتصبات زادت عن 27 توزعت من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب مشكلة أحزمة فاصلة للعرب عنها ومتلاعبة بديمغرافيا الوجود عبر تركيز البناء الإسرائيلي في مناطق التواصل مع المدن الفلسطينية كبيت لحم والخليل ورام الله. في الأثناء طفنا مع الجدار على امتداد الطرق المؤدية للقدس مسجلين حركة بناء هادئة دون إعلان في مستعمرات النبي يعقوب ومعالي أدوميم وجبل أبو غنيم والمناطق المحيطة بالقدس من المنطقة الجنوبية. في حديثي مع الطلاب عبر مسار من الصور المشاهدة على أرض الواقع تلخص لدينا الحال على النحو الآتي: نجحت (إسرائيل) في ترسيخ مخططها القاضي بزرع المغتصبات في محيط مدينة القدس عبر خارطة شكلت فصلا محكما للمدينة عن المحيط العربية- نزع المخطط الإسرائيلي من مدينة القدس الثقل السكاني العربي عبر ما يعرف بجدار الفصل العنصري الذي أخرج نحو مئة الف مقدسي من حدود المدينة المقدسة- أسست بلدية القدس عبر مشاريع ضخمة من البنى التحتية خارطة ما يعرف بالقدس الكبرى التي تمتد من حدود مدينة رام الله في وسط الضفة حتى مجمع قوش عتصيون في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية- تجري المؤسسة الإسرائيلية سباقا محموما مع الزمن عبر خلق بيئة جغرافية متواصلة مع 27 مستعمرة محيطة بمدينة القدس لتعزيز أغلبية يهودية في مدينة القدس تصل إلى مليون مستعمر- يستمر العبث الصهيوني في مدينة القدس خاصة في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى من خلال نشاط محموم يهدف إلى تغيير ملامح المدينة المقدسة العربية - تعمل أكثر من ثلاثين مؤسسة وجمعية دينية مدعومة من الحكومة الإسرائيلية على أسرلة المدينة المقدسة عبر بناء منظومة من الرموز والكنس في محيط المسجد الأقصى والأماكن المطلة عليه - تقوم المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بتنفيذ مشروع العاصمة السياسية في القدس عبر التأسيس للمجمع الحكومي الذي سيحوي أهم المعالم السياسية للكيان ونقلها إلى مدينة القدس. هذه المخططات يجري اليوم تطبيقها على أرض الواقع، بل يقارب بعض منها على الانتهاء مما يعني أننا أمام مشهد خطير ستنعى فيه المدينة المقدسة. اليوم بات من الواجب الصراخ، والطرق على جدار الخزان للأمة أن مدينة القدس تعيش حالة من النزع الأخير، وأن حالة الانكفاء عن المدينة من الأمة ستعجل حسم المعركة على القدس. ما شهدناه خلال الأيام الماضية من احتجاجات من بعض دول الاتحاد الأوروبي على إعلان البناء في بعض مناطق القدس جاء لإبراء الذمة من مخطط كبير ظل مسكوتا عنه سينهي حلم التسوية لدى أصحابها إلى الأبد. اليوم لم يعد الوقت مناسبا للردح وتحميل المسؤوليات، الخطر الحقيقي بات مطالبا في مواجهته الكل الفلسطيني قبل فوات أوان تغادر فيه القدس، وتصبح في الذاكرة متحفا تتم زيارته عبر تذاكر تقطعها وزارة السياحة الإسرائيلية.