في مجتمعنا كلمة «المرأة» استهلكت كثيراً .. فلا يكاد هناك مجلس لم تذكر فيه المرأة في قضية من قضاياها.. حتى أصبح موضوع المرأة هو الأرض الخصبة للجدل والتنظير والحلبة المفتوحة للجميع, يخوض فيها من يشاء من الناس. منذ وقت ليس بالقصير , احتلت المرأة وقضاياها النصيب الأكبر من المواضيع التي تتناقش بها مختلف التيارات الفكرية في المجتمع , إن لم تكن هي القضية الوحيدة أساساً التي يختلفون عليها ويختصمون من أجلها. فهذا التنويري الذي يصدح بشعاراته في تحرير المرأة من اغلال يراها, وهذا رجل الدين على المنبر يهاجم الآخرين زاعماً انه يريد حماية المرأة من مخططات التغريب , وعلى ذلك دأب المنتمون للتيارات الفكرية المختلفة , ولا يزالون على حالهم حتى الآن , كل منهم يتكلم باسم المرأة وحقوقها ,فاستهلكوا هذه القضية كثيراً , إنهم يتصرفون في نقاشاتهم عن المرأة , وكأنهم أمام فكرة أو مسألة فقهية أو ورقة عمل أو بيت شعر وما اشبه الذي يختلفون حوله آرائهم , وهو بطبيعة حاله جماد - اعني ماشبهت به - لا يستطيع أن يدافع عن نفسهِ كما انه عاجز عن الحديث والتعبير عن ذاته, ونسوا إنهم لا يتحدثون عن جماد بل عن إنسان يدعى ( المرأة ) , أنعم الله عليها بلسان وشفتين , يمكنها أن تتحدث وتفصح عن رأيها لا سيما في قضيةً تتعلق بها, كما أنها لا تنتظر رحمةً من هؤلاء أو اولئكَ, ليتكلموا باسمها ونيابة عنها . إنهم بذلك يحتكمون بمصير النساء ومستقبلهن الذي هن أولى بمن يحدد معالمه , فينظرون لهن حسب مايعتقدونه ويتفق مع آرائهم الخاصة , وصاحبة القضية مغيبة فلا رأي لها يمثلها ولا أي وجود حقيقيا , وكأن القضية لا تعنيها في شيء . أجد أن من باب العدل , أن ننزل إلى الشارع , ونواجه النساء لنسألهن عن آرائهن في القضايا التي تخصهن وتخص بنات جنسهن , ونقول لهن بكل شفافية.. ماذا ؟ تريد المرأة.. ماذا ؟ يردن النساء ؟ . إنه لا يهم من يتحدث بقضايا المرأة ذكراً كان أو أنثى.. فكلاهما لا يٌمثل رأي مجمل النساء.. أو لنقل رأيهن الحقيقي.. فمن يخولهم بذلك أساساً.. لست أعني بهذا الموضوع أن يكفٌ الرجال عن الحديث بقضايا المرأة , بل أعني أن يتوقف عن الحديث كل من يظن أنه يتكلم باسمهن وبالنيابة عنهن , وعليه أن يعتبر مايقوله رأياً شخصياً يعنيه بذاته لا يمثل رأي جموع النساء . إلى متى ونحن نظن أن مصير المرأة متعلق في أيدي المثقفين أو المتدينين من الجنسين , ومايطرحونه من آراء وأفكار . ينبغي أن نواجه النساء اللاتي نتحدث عنهن ونسألهن ماذا يردن ؟ لا أن ننتظر من مثقفين أو بعض رجال دين أو ناشطين حقوقين أو أياً كان , يملون علينا آرائهم باسمهن ويقررون لهن المصير . من غير المنطقي أن يكون صاحب القضية والذي تعنيه أولاً وآخراً غير حاضر وليس له رأي فيها, فيتكلم نيابة عنه أشخاص لا يعرفونه عن قرب ولا يدركون مجمل مطالبه وهمومه واحتياجاته . فأين المرأة اليوم .. إنها غائبة عن المشهد , وغاب رأيها معها . حينما أقول أن المراة غائبة لا يعني أن وجود ناشطة أو مثقفة أو متدينة تتحدث بقضيهتن يعني وجود المرأة. فلا يشترط أن تكون هذه الأنثى أي كان توجهها , تعبر عن احتياجات ومطالب نساء المجتمع كافة , وعن رأيهن الحقيقي , بل قد تكون تعبر عن ذاتها وعن أفكارها وهمومها الخاصة. إذن كيف تكون المرأة حاضرة ؟ .تكون المرأة حاضرة حينما نأخذ برأي كل كائن حي ينضوي تحت مصطلح (امرأة ) , فيجب أن تكون كل امرأة في المجتمع شريكة في هذا القرار , وعلى ضوء ذلك تؤخذ آرائهن من خلال استفتاءات تقوم بها جهة مسؤولة في الجامعات وفي كل الميادين التي تتواجد فيها المرأة , وبذلك يشكلن الرأي الذي يمثلهن والنابع من المرأة ذاتها , لا من أحد آخر , فيصبح لها الوجود الحقيقي في قضاياها.. حيث هي المسؤولة عن قرارها لا أحد آخر . أنا اليوم بصفتي ذكراً , لا أعرف ماذا ؟ تحتاج أمي أو زوجتي أو أختي ؟ فقضيتهن ليست قضيتي.. إنها حقيقة إننا مهما بلغنا من الوعي لن نستشعر قدر معاناتهن وحجم مطالبهن , حان الوقت ليتحدثن هن ويعبرن عن أنفسهن , فافسحوا للمرأة المجال , لتشارك بصنع القرار وتقرر مصيرها الذي يناسبها بذاتها , لا سيما في قضايا تعنيها أولاً وآخراً . المرأة أصبحت على قدر عالٍ من الثقة بنفسها ولم تعد بحاجة لتنتظر من أحدهم أن يٌنظر لها طريقة معيشتها وحياتها . فهل سيكون للمرأة رأي حقيقي في قضاياها ؟.