رغم اخلاق التسامح وتقبل الغير كيفما كان والاعتراف بخيره وترويض النفس لتقبل او تبرير شره، إلا ان هذا لا يمنع ان كل منا يكون لديه تصورا لصاحبه قد تدعو اصول التعامل والمحافظة على العلاقات ان نظهر الحسن منه ونستر السيئ الذي قد نحاول من منطلق مفهوم التحابب تقويمه ببطء ودون اعلان إذا كان لدينا من الامكانيات ما يمكنا من ذلك، او الاستعانة بأمين يكون له القدرة على ذلك، وإلا فلابد ان نقبل بعضنا على ما نحن عليه فلولا السواد ما عرف البياض والاضداد يظهر حسنها الاضداد ولنحمد الله على ما وهبنا من خير ومنع عنا من شر. ومن خلال تعاملي في الحياة وجدت تنوعا عجيبا في الشخصيات فقد يتفق الجميع في بعض الصفات ولكن ما يميزهم هي تلك الاختلافات التي تعطي لكل منهم طبعه ونكهته التي قد نحب ان نتمثلها لجمالها وسموها او ننفر ان تكون فينا لقبحها اوسوء مردود آثارها، فبينما نجد منهم الأنيق في كلامه المبهر في مظهره وتعامله الرزين في انفعاله، نجد فيهم الاجلاف الذين لا يزنون قولا ولا يضبطون فعلا، تسوؤنا ألفاظهم وتشمئز أنفسنا من سلوكهم، وبينما نجد المتسامح الذي لا يقف عند حد الكلمات والفلتات ويتغاضى على قدره عن التفاهات والحزازيات، بل ويتودد الى المسيء لعلمه بحدود فكره ويختلق له الاعذار حتى يديم وده ويريح نفسه، نجد هناك من يجلد نفسه بتحميلها اوزار المسيئين والاعتكاف على التفكير في دلالات حركاتهم وإيماءاتهم وما قد تخفيه كلماتهم وافعالهم من معانٍ واشارات مقصودة او غير مقصودة فهؤلاء في هم دائم وشكاية لا تنقطع وخلافات متواصلة وكآبة بادية، وبينما نجد هناك اهل العطاء والكرم السباقون الى كل خير ومد يد العون والمساعدة حتى دون طلب، نجد هناك المتخاذلون المثبطون الذين لا يكتفون بمنع موهوب خيرهم ومنح بعض من عطاء الله لهم والإدلاء في الخير بدلوهم، بل ويمنعون غيرهم ممن قد تكون لديهم نوايا الخير بأفكارهم المريضة ووساوسهم المسمومة بالتحريض والتقصير. كما ان هناك من يدعي لنفسه افعالا ويبني لنفسه امجادا وابراجا فإذا ما حاولت توظيف ما ادعى والاستفادة من امكانياته التي يتفاخر بها لم تجن إلا هباء ودار بك في فلك الاوهام واكثر لك الحكايات والكلام فلا تأخذ منه الا قولا ولن تجني من خلفه خيرا. يينما هناك آخرون لا يقولون قبل أن يفعلون فإذا ضمن ذاته وايقن بقدراته وكفاءاته اعلن لك عما انتوى وبادر بالفعل والتنفيذ، وان كلفه ذلك وقته وماله بل ونفسه وعياله، فهذا خيره مضمون وسعيه مشكور وصحبته نافعة، ترفعه افعاله وإن قلت او انعدمت اقواله. وهناك آخرون عقولهم بالأفكار ولادة وبرسم الصور المتكاملة والايجابية جوادة، ولحل المشكلات قوادة، يحسنون التعبير ولا يبخلون بالنصح الاصيل، ويرغبون بالتغيير، لكن عند هذا الحد تنتهي قدراتهم فهمم العقل عندهم متوقدة، وهمم الفعل والتنفيذ الى غيرهم وافدة. لذا تسند افكار هؤلاء الى من تؤهلهم قدراتهم لتنفيذ المخططات والابداع في ارساء الخيال الى واقع فبأدائهم يبرزون الصورة ويحدثون التغيير، وبتكامل الأداء يظهر فضل الجميع فكل منهم لا نجاح له دون صاحبة. وهناك هؤلاء الملطفون الذين يطفئون نيران الاختلاف وهجمات العصبية والانفعال بحكيم قولهم وحسن تدخلهم واصلاحهم، والتوفيق بين المتعارضين وتقريب الرؤى بين المتباعدين فبهؤلاء يعم السلام ويحفظ الامن والأمان. وعلى خلاف هؤلاء نجد من يرى المصلحة في الوقيعة بين الاخلاء وادخال الشقاق بين الزملاء والرفقاء، فلا يزال يتصيد الهفوات ويكبرها في النفوس حتى يعكر صفوها ويديم الخلاف بينها، فهؤلاء ادوات ابليس واحباؤه، بهم تتعطل المصالح وتنشسب الضغائن والمشاحن. وهناك هؤلاء الذين يبعثون البهجة في النفوس والراحة في القلوب ويريحون الابدان من الهموم بفكاهة مفرحة، ومزحة هادفة، هذه جبلتهم دون تكلف او ادعاء ينشرون حولك السرور وربما هم يعانون لكن لا يشتكون وان جمعوا بين هذه الصفة واي من الصفات السابقة. وعلى رأس كل هؤلاء اناس تعهدوا انفسهم فقوموها وترفعوا عن الدنايا والصغائر حتى استحقوا أن يختصهم الله بالعلم النافع والحجة والبيان والقبول والبرهان وحفظ الدين، فكل همهم هداية الناس عن طريق آية واعظة، وحكاية مؤثرة، وحكمة مثبتة، وقصة معبرة، وموعظة مرشدة، ودعوة هادية، هؤلاء هم دعاة الخير فهم من يستطيع ان يدل كل نوع ممن سبق الى خصاله ويبدي له كيف يثبت منها ما يألفه ويرتضيه الناس، وكيف يراجع نفسه ويكشف عيبه ويجاهد نفسه حتى ينتقل بها من حال الى حال حتى يحصل على الوسام الذي تستقبله به الملائكة عند لقاء ربه "يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي".