من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، دافع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن الدين الإسلامي وقدم درساً حكيماً في نصرة رسول البشرية وهو يضع حجر الأساس لأكبر وأعظم توسعة يشهدها الحرم النبوي الشريف، وقد كان ذلك رداً قوياً وعملياً على كل من أساء للإسلام والرسول الكريم من خلال ذلك الفيلم السينمائي الذي أثار الرأي العام لدى المسلمين كافة، وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى الذين يستنكرون الإساءة للأديان السماوية والرسل. وفي الفترة الماضية، تناقلت الأخبار وجود شغب وهتافات واعتداء على السفارات في عدد من الدول الإسلامية كردة فعل مباشرة ضد الفيلم المسيء للرسول الكريم. وللأسف فقد نجح من كان وراء ذلك الفيلم في استغلال العاطفة غير المنضبطة لدى بعض المسلمين في دول متفرقة والذين اندفعوا للتعبير عن غضبهم بتدمير بعض الممتلكات والمرافق العامة في بلدانهم، والاعتداء على أشخاص لا علاقة لهم بذلك العمل المشين، فحققوا بذلك ما كان يأمله أولئك الأعداء ويسعون إليه من أهداف خبيثة، فبدلاً من أن يكون لنا حق، أصبح علينا خطأ، وكان الأحرى بهم أن ينصروا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالتقيد بسنته قولاً وعملاً، فالإسلام لم ينتشر في مختلف أنحاء العالم إلا بالقول اللين والقدوة الحسنة، وكما ذكر الشيخ علي الحذيفي في خطبة الجمعة الماضية بالمسجد النبوي، فإن أعظم الردود على المتطاولين على سيد الخلق هو التمسك بسنته، وتطبيق شريعته، وعدم الانسياق وراء أعمال لا يقرها الإسلام. لقد جاء قرار التوسعة الضخمة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلاً في توقيته، قوياً في تأثيره، ونبيلاً في هدفه، فقد أظهر للآخرين حرص المسلمين على دينهم ومسجد رسولهم، بعيداً عن العنف والصياح والاعتداءات، وما هذا الرد الجميل المفعم بحسن التصرف وسمو الأخلاق إلا اتباع لنهج نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واقتداء بهديه، وهو الذي صبر وتحمل الأذى من أجل نشر دين الله وإظهار الحق ودحض الباطل، وقد كان عليه الصلاة والسلام يرد بالحلم والصفح على من يتناول شخصه الكريم بالإساءة، ولم يكن من منهجه مواجهة السيئة بالسيئة، إنما مواجهة السيئة بالحسنة، ولعلنا نستذكر موقف رسولنا الكريم عندما عاد إلى مكةالمكرمة بعد أن آذاه أهل الطائف، فجاءه ملك الجبال وقال له "لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين" وهما جبلان في مكةالمكرمة، فرد عليه الصلاة والسلام "لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا"، وهذا موقف مثالي يعلمنا فيه نبينا الكريم الخلق الرفيع. لقد أراد خادم الحرمين الشريفين وهو يرسي أكبر توسعة للحرم النبوي، والتي تأتي بعد نحو عام واحد من تدشين أكبر توسعة للحرم المكي، ليؤكد خصوصية المملكة العربية السعودية في التشرف بخدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وليقدم للعالم أجمع.. وهو الأهم.. درساً حكيماً في الدفاع عن الرسول العظيم من خلال مشروع عملي يلمسه الجميع، بدلاً من السفه والغوغاء والاعتداء والشغب. كاتب وباحث أكاديمي