أي مرحلة من مراحل الحياة تعتبر "عتبة" يجب أن يتخطاها الشخص وتلك "العتبات" قد تكون متعبة ومجهدة ومؤلمة في أحيان كثيرة، ولكن بعد تخطيها يُنْظَر إليها كذكرى ودرس تَعلمه من "جامعة الحياة" التي لا ينتهي التعليم بها إلا إذا قضى أحدهم نحبه.إحدى هذه المراحل هي "الصديق" الذي لا غنى عنه أبداً مهما كانت الظروف والمراحل والتقدم في العمر، ولا يتم الوصول إلى أعلى مراتب الحب والود بين الصديقين إلا إذا أَظهر كل منهم مزايا الآخر وعيوبه، وفي كل "عتبٍ" يقع بينهما يكون قد تخطى "عتبةً" من أعتاب الصداقة للحفاظ على العلاقة. ففي خلال إجازة نهاية الأسبوع الماضي قضينا جلسة "مصارحة" مع مجموعة من إخواني "أصحابي" الذين (لم تلدهم أمي)، وكانت تلك المصارحات مثرية لشخصية كل فرد منا، فلم تكن هناك "مجاملة" إلى حد "المداهنة" ولا "صراحة" إلى حد "الوقاحة"، فكلٌ رأى عيوبه بعين أخيه وصديقه "ومرآته" في هذه الحياة وقد قال سيدي رسول الله:"المسلم مرآة أخيه المسلم إذا رأى فيه عيباً أصلحه" وما أجمل المرآة حينما تكون صافيةً ناصعةً تُريك ما يُعيبك بكل أدب واحترام، وما أجمل العتاب إذا كان من قلب مُحب إلى قلب مُحب. اكتشفت بعد هذه الجلسة أنها ضرورية وملحة ويجب تكرارها من حين إلى آخر ولو على الأقل كل ستة أشهر كي يعلم كلٌ منا مدى تخطيه لما كان به من مشكلات وعيوب. من السنة الكونية للحياة أن يصبر كلٌ منا على ما يواجهه من عيوب الآخر لأنه لا يوجد شخص بلا عيوب ولا يوجد إنسان كامل ولكن (خيركم من أهدى إليَ عيوبي) فقد ربط سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله في هذه المقولة الشهيرة بينها وبين حديث سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال:(تهادوا تحابوا) فربط وبشكل بليغ بينهما وشبَه العتاب وإظهار العيوب "بالهدية" التي تزيد من المحبة وتحافظ على الود. لا يعقل أن يُهدي أحدهم الهدية "برميها" إلى المُهدى أو أن يعطيها إياه "بجفاء وقسوة"، لذا فإن النقطة الجوهرية في هذا كله "الأسلوب" فهو يلعب دوراً مهماً جداً ومرتكزاً وركناً يستند عليه العتاب، فليس من الصحيح (الإفراط في المجاملة) وأيضاً ليس من السليم (الإسهاب في العتاب) فيجب التنسيق بينهما بشكلٍ ذكي حيث ذكر علماء النفس والاجتماع نظرية تُتبع في طرح مثل هذه المواضيع وتسمى بنظرية "الساندويتش" بمعنى أن يوجه المُخاطِب بعض من مزايا المُخاطَب ومن ثم يذكر له بعض عيوبه ثم ينتقل مرة أخرى إلى بعضٍ آخر من مزاياه، أما كيفيةُ الانتقال من هذه لتلك والعودة مرةً أخرى فهو فنٌ لا يجيده إلا القليل. بعد هذه الجلسة التي أرتني شخصيتي الحقيقية أمام عدة "مرايات" وهم أصدقائي أقول: أتمنى من الجميع أن يقوموا بهذه التجربة حيث أن لها أثراً صحياً وإيجابياً مهماً في تطوير الذات والمجتمع والعقل وتوسيع المدارك الفكرية، كما أتمنى من مديري الإدارات أن يقوموا بهذه التجربة مع من يديرونهم من موظفين كي يرتقوا في آداء عملهم وواجباتهم سواءً كان "الموظف" أو "المدير" ويجب أن يكون ذلك في جو يسوده الاحترام المتبادل والتفكير للتطوير كي نتخطى العتب بالعتب.