يحكي لنا التاريخ أن "صراع الأجيال" كان من أبرز أشكال الصراع اليومي في مختلف المجتمعات البشرية ،ويتظاهر هذا الصراع بمحاولات جيل الشباب للتغلب على جيل الشيوخ واحتلال مواقعهم الاجتماعية والسياسية ، وحجة الشباب في هذا الصراع أن الشيوخ يفكرون بلغة الماضي التي باتت متخلفة عن لغة العصر. وقد تفاقمت حدة هذا الصراع بين الجيلين في عصرنا الحاضر بسبب تطور وسائل الاتصال والتواصل والمعرفة الحديثة (كومبيوتر ، جوالات ، شبكات إنترنت ، فيسبوك ، تويتر ، قنوات فضائية ..) إذ نشأ الجيل الجديد من الشباب مع هذه الوسائل البديعة التي تتسم بالسرعة والدقة وغزارة المعلومات ، وأصبح يجيد التعامل معها بكفاءة عالية ، دون حواجز ، على النقيض من الشيوخ الذين فاجأتهم هذه الوسائل المتطورة لأنها تختلف اختلافاً جذرياً عن الوسائل القديمة التي تربوا عليها وتعودوا على رتابتها وبطئها ، فهم يتعسرون باستخدام الوسائل الحديثة ولا يستطيعون مسايرة إيقاعها السريع ، وهذا ما يجعلهم يشعرون بحواجز شاهقة بينهم وبينها ، ويجعلهم يحسون بالغربة عن العصر الراهن ، لأن كل شيء حولهم قد تغير عما تعودوا عليه وألفوه. وتزداد حدة هذا الصراع في نفوس الشيوخ كلما كانوا أكثر تمسكاً بتراث الماضي كما هي عادة الناس غالباً ( إنَّا وَجَدْنا آباءَنا على أُمَّة وإنَّا على آثارهم مُقْتَدون ) سورة الزخرف 23 ، ولهذا السبب تزداد مقاوم الشيوخ لكل جديد لأنه يسلبهم مكاسبهم الشخصية ومكانتهم الاجتماعية التي قضوا السنين الطويلة في تشكيلها. ونعتقد أن حل هذا الصراع بين الجيلين يكمن في إدراك كل منهما لهذه الحقائق ، والاتفاق على اللقاء في "نقطة وسط" يستفيد فيها الشباب من حكمة الشيوخ ، ويترك الشيوخ للشباب حرية الحركة والتصرف واتخاذ القرارات التي تناسب متغيرات العصر ، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم درساً مهماً في هذا السياق عندما سلَّم "أسامة بن زيد" رضي الله عنه قيادة الجيش المتوجه لقتال الروم في الشام ، وكان أسامة فتى حديث السن ، بينما كان في الصحابة قادة عسكريون كبار ، فقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أن المعركة مع الروم تختلف عن المعارك التي سبق أن خاضها قادته الكبار في البيئة العربية التي كان لها وسائل وتكتيكات في القتال تختلف عن وسائل وتكتيكات الروم ، كما أن الحرب مع الروم تشكل نقلة جديدة للإسلام ، فهي حرب دولية تحتاج إلى عقلية جديدة تدرك هذا البعد الاستراتيجي الجديد ، ولهذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم قائداً شاباً لتدشين المرحلة الجديدة التي ستنقل الإسلام من الإطار العربي المحدود إلى الإطار العالمي .. وقد أدرك "أسامة" بالمقابل أن لا غنى له عن رأي الشيوخ فاصطحب معه نفراً من كبار القادة ليكونوا إلى جانبه بالرأي والمشورة .وفي هذا درس عظيم ينبغي للجيل الجديد من شبابنا أن يعوه جيداً ، فيحترموا حكمة الشيوخ ويستأنسوا برأيهم ، وعلى جيل الشيوخ بالمقابل أن يدركوا بأن العصر لم يعد عصرهم ، وأن عليهم تسليم الأمانة للشباب لأنهم أصبحوا أقدر على التعامل مع لغة العصر ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) .