لا أحد يمكن أن يشك لحظة في أن أقوال العلماء المعتبرين من المنتمين إلى المذاهب الأربعة، قد تخالف الكتاب والسنة، ولا يجرأ عاقل على اتهامهم بأنهم تعمدوا مخالفتهما وإن أخطأوا، فمرجع كل العلماء المجتهدين الأدلة الأربعة المجمع عليها وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ويتبع هذا ادلة أخرى قد يختلف عليها المجتهدون وكل منهم يأخذ بواحد منها أكثر عند الحاجة، مثل الاستصحاب والاستحسان والمصالح المرسلة، والعرف والعادة، وشرع من قبلنا إذا لم يعارض شرعنا، وقول الصحابي إذا لم يكن له مخالف منهم فليس الدليل كما يدعي البعض إنما هو نص الكتاب، والسنة فقط، فالأدلة الأخرى مرجعها إليهما، وهي يستدل بها على الأحكام ولاشك، فهذا هو الاجتهاد الذي أساغه الله للعلماء، والفقهاء الذين تنسب إليهم الأقوال في مصادر الفقه الكبرى، بل وفي المختصرات العارية عند دليل، كلها أقوال معتبرة ولاشك، لأن مرجعها في النهاية الكتاب والسنة، والإيحاء بأنها قد تعارض الكتاب والسنة إنما هو وهم يدل على شديد الغفلة وفيه من التجني على العلماء الشيء الكثير غير المقبول عقلاً وشرعاً، فهؤلاء الأئمة الذين انتشرت أقاويلهم في الأمة، وأخذ بها من قلد وهم ممن لا يحسنون الاجتهاد، حتى وإن كانوا من المنتسبين إلى العلم، لا يساء إليهم بهذا الشكل، والدعوة إلى إبطال المذاهب وعدم الأخذ بأقوال أفذاذ علماء الأمة المجتهدين إنما هو سعي ولاشك لإهدار هذه الثروة العلمية التي تركها لنا هؤلاء، ممن عكفوا على الكتاب والسنة واستنبطوا منهما الأحكام الشرعية ورصدوها في هذه المصادر الكبرى المتنوعة المتعددة الرؤى والاجتهادات، فيأتي آخر الزمان من يريد الإطاحة بكل هذا من أجل أن يثبت له مذهباً قلد فيه المتأخرون، وأخذ يزعم أنه القادر على العودة إلى الكتاب والسنة كما فعل الأئمة، وأخطاؤه المتابعة لا حصر لها، حينما يدعي أنه يستشهد بهما، فيحمل نصوصهما على ما لا يدلان عليه.. وقد ظهرت فكرة العودة الى المصدرين دون ما سواهما منذ زمن ليس بالقصير، شكك أصحابها في الشروط المعتبرة فيمن يجتهد من العلماء حتى يتسنى لهم ان يقولوا ما شاءوا ثم ينسبونه الى الإسلام، وحتماً قد فشلوا، وكان آخرهم هذا الغر الذي يبث أفكاره عبر قناة فضائية تلفزيونية في لندن، عاقداً العزم على تشويه الدين تارة بإثارة الخلافات التي تفرق المسلمين، وتارة يمثل هذه الدعوى الباطلة المراد بها هدم تراث الأمة، ليبني الجهلاء مكانه ما يعجبهم وخاب مسعاه فهلا كف هؤلاء عن مثل هذا وعرفوا قدرهم، هو ما نرجو الله ولي التوفيق. ص. ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]