كنت دائماً مع إصرار الثورة السورية على الطابع السلمي، وعدم الانجرار إلى «العسكرة»؛ لأنّ هذا بالفعل ما يريده النظام هناك، لخلق الأكاذيب والإدعاءات حول «العصابات المسلّحة» و»القاعدة» وغيرها. لكن «الخبر ليس كالمعاينة»! فمن الواضح اليوم أنّ الشعب السوري لا يمتلك بديلاً عن المزاوجة بين خيار الثورة السلمية الشعبية والخيار المسلّح دفاعاً عن النفس، وهو ما يتحمّل مسؤوليته النظام الدموي الذي يجرّ بلاده إلى الكارثة المحقّقة! الثورة السورية بدأت مدنية سلمية أخلاقية كبياض الثلج، إلاّ أنّ ما وقع بحقّها من جرائم وموبقات ومجازر في ظل حالة من العجز الدولي والإقليمي عن وضع حدّ لهذه الأوضاع، هو ما دفع بعناصر من الجيش إلى الانشقاق وحمل السلاح دفاعاً عن المدنيين، طالما أنّ الخيار الوحيد أمام العسكري اليوم من هذا النظام؛ إمّا أن تقتل المدنيين أو تُقتل. كنّا نتمنّى أن تكون الثورة السورية كشقيقتيها في مصر وتونس،سلمية بيضاء، لكن التركيبة الطائفية في سورية، وحالة الجيش هناك، ليست كما هي الأوضاع في هذين البلدين. والحال ليست مشابهة –أيضاً- لليبيا، إذ نجح الغرب في تمرير قرارات التدخل الخارجي، ومنعوا القذافي من القيام بمجازر بحق آلاف الليبيين، في بنغازي وغيرها، لو أن يديه بقيتا طليقتين لتفجير مخازن السلاح في شعبه، كما يفعل الرئيس السوري اليوم. بالرغم من الحديث عن محاولة استنساخ «النموذج اليمني» من العرب حالياً، إلاّ أنّ الوضع مختلف أيضاً. ففي اليمن لا يوجد نظام بوليسي قمعي بهذه الوحشية، والجيش انقسم في مرحلة مبكّرة، وحدث توازن داخلي،واستمرت الثورة السلمية بزخم قوي،مع تغطية إعلامية كاملة. على الطرف الآخر، لم يخرج مؤتمر أصدقاء سورية (الذي عقد في تونس) بقرارات سياسية وإعلامية مهمة،لكنّها لا تقدّم شيئاً على الأرض للناس في حمص وإدلب وحماة، واليوم في حلب ودمشق، الذين يكتوون بهمجية دموية غير مسبوقة، وعمليات إبادة جماعية بغطاء إقليمي ودولي. في هذه الحالة، فإنّ حق الدفاع عن النفس مكفول بالشرائع السماوية والأرضية وبالقوانين كافة،وهو حق للناس،بل ولمن يريد مناصرتهم لرفع الظلم عنهم، طالما أنّنا أمام نظام مجرم باغٍ وعجز دولي عن إيقافه، فالحل هو أن يتمكّن الناس من المزاوجة بين حقوقهم المشروعة بالثورة السلمية وحقهم في الدفاع عن النفس والتسلّح لبناء حالة من «توازن القوى» الداخلي؛ فالثورة لن تخمد، وما قطع من الطريق أطول مما بقي. هذه الثورة العظيمة، بما قدّمت اليوم من تضحيات تثير العجب، هي في طريقها للانتصار حتماً، لكّنها ستكون أنموذجاً جديداً في التاريخ، يقدّم فيه الشعب السوري صورة غير مسبوقة من الإقدام والشجاعة والبطولة. وإن كان هذا هو قدرهم الصعب، إلاّ أنّه يكرّس عظمة السوريين في درس إرادة الحرية والتحرر والكرامة، مهما كان الثمن!