يبدو أن أهل جدة سيتواطأون على تأريخ أيامهم وسنينهم بتاريخ الكوارث التي تجنيها عليهم أيادي المفسدين الفاسدين، سنة السيل الأول، سنة السيل الثاني، سنة الحريق.. وهكذا دواليك.. وما أخشاه ألا يكون المستقبل أفضل حالاً من الحاضر، لأن الحاضر لم يكن أفضل حالاً من الماضي، وألا نرى ضوءاً في آخر النفق الطويل الطويل! ما دامت الأسماء هيَ هيَ، وفاسدو السيل الأول طليقون لا تمسهم العدالة بطرف، فضلاً عن أن يمسهم ماء السماء أو حريق الأرض، وما دام الفساد ينخر في المؤسسات حتى انتشرت بين الناس تلك النكتة الخفيفة الظل الثقيلة الوقع: "فلان توظف - بالواسطة - في لجنة مكافحة الفساد".. فإن الطريق - يا ولدي مسدودٌ مسدود - هكذا قالت قارئة الفنجان لزائرٍ جداوي، وقالت له أيضاً: مقدورك أن تحيا أبداً.. بين الطوفان وبين النار. الشهداء الذين يسقطون في جدة كل سنة، وكم هي مخيفة عبارة (كل سنة) هذه، فهي تشي عن التبلد الذي استعمر أجسامنا حتى أصبحنا ننتظر فقط إحصاء الأعداد، يقدمون بدمائهم وأرواحهم اعتراضاً ساخطاً على الحال، ولا خير فينا إن لم نكرم موتهم كما ينبغي ونعلنه مناسبةً للإصلاح. في جدة بعد كل كارثة، نوعان من الموتى، الشهداء الذين يسقطون في الكارثة لاعنين الفساد وممارسيه، والأحياء الذين ينتظرون دورهم بصمت. @hmzmz