جاءني أحد تلاميذي، وقد أصابه الرعب، من موقف أحد أساتذته ممن يعلِّمون العلوم الدينية، وله من مظاهر التدين أوفرها، ولكنه غير مستقيم، لا يتورع عن ظلم، والغيبة والنميمة ديدنه، بل وبهتان الناس بما لم يرتكبوا عادة أصيلة في سلوكه، فقلت له هون عليك يا بني، ألم تقرأ معي ما جاء في الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه (أي امعاؤه) فيدور بها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار فيقولون: يا فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا أتيه، وأنهاكم عن الشر وأتيه»، فليس تحصيل العلم وحده كافٍ - ولو كان له منه كم كبير، ما يمنع العبد عن المعصية، فالعلم إذا لم يطلب للعمل، فلم يكن غاية صاحبه أن يعمل بما علم، يلتزم به ويزكي به نفسه، لم يؤد إلى ورع يمنعه أن يقع في المعصية، لذا وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فبما راوه مسلم عندما سألت عن خلق سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، « كان خلقه القرآن» أي أنه مستقيم على ما في القرآن من أوامر ونواهٍ، يعمل بها، وهي الأخلاق التي امتدحها الله، فإذا عمل بما علم وجب أن يكون عمله صواباً وفق ما شرع الله، ومخلصاً فيه لله، لا يرائي به، ولا يقع به في نفسه العجب فيظن أنه الأعلم والأتقى، فإذا كانت حاله كذلك، فإنك ستجد الاكتمال في شخصيته، يحبه الله ويوفقه في كل ما يأتي وما يدع، ويحبه الخلق وبه يقتدون، ويصبح ألذ ما في حياته طاعة ربه، تطمئن إليه وترتاح لمجالسته، وهو أبعد الناس عن المعصية، ومما يحفظ عن العامة في بلادنا قولهم: «لا تخف ممن يخشى الله»، فهذا يا بني هو العلم الذي يقود حامله إلى كل الفضائل، ويمنعه من ارتكاب أية رذيلة، فالصلاة مثلاً بالنص تنهى عن الفحشاء والمنكر، وجاء في الأثر: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له»، فأحرص بنيّ على أن يكون علمك وسيلتك للاستقامة على أمر الله ونهيه يحبك الله ويغرس محبتك في قلوب خلقه، فهل نفعل؟.. هو ما أرجوه لك .. والله ولي التوفيق. ص.ب 35485 جدة 21488 فاكس: 6407043 [email protected]