تتراقص كريات الدم الخضراء في أجسادنا فرحاً وابتهاجاً بحلول عيدنا الوطني المجيد، فتتحرك برقصها أعضاؤنا رجالاً ونساءً وأطفالاً للتعبير عن هذه الفرحة الغامرة؛ بمختلف الطرق والأساليب الممكنة، وبتنافس محموم نراه في كل مكان هذه الأيام، وكأنَّ الناس في حلبة سباق كبير يتسابقون فيها للتعبير عن مشاعرهم الوطنية في عرس الوطن. فهذه تنظم قصيدة، وذلك يلقي كلمة، وهذا يرسم صورة، وتلك تكتب مقالاً، والآخر يعزف طرباً، والأخرى ترقص فرحاً، والجميع يرفعون الرايات الخضر الشامخة، معلنين الحب والولاء لهذا الوطن العزيز، والسمع والطاعة لولاة أمره، والتقدير والتبجيل لمؤسسه الراحل العظيم. وكل هذا جميل ورائع؛ ولكنه لا يعني ولا يستلزم أن الجميع راضون عن كل النواحي في بلادنا، فالخلل موجود ومستشرٍ ومتشعب، والتقصير كبير ومتعدد، كما هو الحال في كثير من دول العالم، فلا وجود لبلد بلا أخطاء ومشاكل أبداً، ولكن الدول الناجحة هي التي تستطيع رسم إستراتيجيات الإصلاح الحقيقي بشكل جاد دقيق مثمر، يحقق الهدف المنشود منها، وهذا ما نرجوه ونتمناه وسيتحقق في بلادنا؛ بتضافر جهود الجميع، وتعاضدهم مع قيادتهم الرشيدة. ارفعوا شعار محاربة الفساد في كل مكان ترفعون فيه أعلام الوطن، فقد بلغ الفساد المالي والإداري حداً ملاحظاً، وارتفعت أعداد العاطلين، وأصبحت أخبار الجريمة تتصدر وتملأ صحفنا صباح كل يوم، وعاثت أصناف المخدرات في عقول شبابنا وأجسامهم تدميراً وفتكاً وإهلاكاً، وزاد عدد الفقراء في كثير من المناطق، وتضاعف تسلط بعض المتشددين على الناس على كافة الأصعدة، وأصبح الخوف والهلع ملازماً لسكان بعض المدن، عند إحساسهم بقرب نزول المطر الذي يفترض أن يكون نزوله سبب بهجة وسرور. ولن أنسى الخدمات الصحية التي لا تستطيع الحصول عليها بشكل كامل وسليم ، وغير ذلك من صور القصور التي سأكتب عن رأيي فيها في مقالات مفصّلة قادمة. ومن أجدر النقاط بالإشارة هنا أننا نحتفل بيومنا الوطني ونحن نشاهد الشعوب من حولنا غارقة في بحار الدم، نتيجة لانفراط عقد الأمن الذي يخلق بانفراطه -الذي لن يحدث أبداً في بلادنا- جميعَ صور الفوضى العارمة التي تحرق نيرانها الأخضر واليابس. إن مفاتيح السلام والوئام في مجتمعنا مرهونة بتماسك جبهتنا المحلية، وتعزيز لحمتنا الوطنية، بشكل يكفل للجميع –باختلاف أعراقهم ومذاهبهم الفكرية والعقدية- الاستقرار والراحة، تحت مظلة القانون العادل الشامل الكامل الذي يحترمه ويذعن له الجميع. كل عامٍ وأنتِ بخير يا بلاد الشموخ والرفعة والفخر والكبرياء والإباء، وكل عام وأهلك الأحرار الأبرار في أجمل حال وأرفع منزلٍ ومكان. ودامَ عزك أيها الموطن الذي لو شُغلنا بالخلد عنه لنازعتنا إليه في الخلد نفوسنا شوقاً وحنيناً لثراه الطاهر الثمين. كيف لا وهي الأرض التي ولدنا وترعرعنا فيها، ونعمنا من خيرها، وأحببنا صنّاع تاريخها، ومات عليها ودفن في جوفها الأحباب والآباء والأجداد. [email protected]