تشبيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قوة المعركة التي سيخوضها ضد البطالة -التي وصلت بفرنسا ل % 12 - بالمعركة التي دخلها ضد القذافي من خلال دعم الثوار ومساندة المعارضة ليس تشبيها عارضا، بل له دلالته، وهي أن ساركوزي ساند المعارضة الليبية بقوة منذ البداية وكان أول من اعترف بالمجلس الوطني الانتقالي ليس فقط من باب الوعي بالدرس التونسي حتى لا يفوت بلاده القطار في العلاقة مع الشعب الليبي والتكفير -إذا أحسنا النية به- عن أخطاء التحالف مع بن علي والقذافي والسكوت على ظلمهما لشعبيهما، وليس فقط من باب الحرص على نصيب من النفط الليبي وضمان مصالح بلاده، بل لأجل تجميل صورته للداخل الفرنسي أيضا وربما هو العامل والحافز الأقوى، لأن الرجل مقبل على معركة انتخابية شرسة. لكن السؤال المطروح هل سيرفع فعلا النجاح الذي حققه ساركوزي في الملف الليبي، من شعبيته لدى الفرنسيين، ويتجاوز بذلك النكسات بل والضربات التي تلقاها حزبه الحاكم «الاتحاد من أجل حركة شعبية» خاصة هزيمته في الانتخابات الإقليمية؟ المؤشرات الحالية تجعل الجواب بالإيجاب صعبا، رغم أن ساركوزي وبناء على قاعدة «مصائب قوم عند قوم فوائد» استفاد عمليا من الورطة أو المحنة التي مر بها أقوى منافس له، ويتعلق الأمر بالمدير السابق لصندوق النقد الدولي «دومنيك شتراوس كان» واعتقاله في الولاياتالمتحدةالأمريكية بتهمة التحرش بخادمة في أحد فنادق نيويورك. لكن إسقاط الاتهامات عن أبرز الخبراء الاقتصاديين في العالم وعودته قريبا لفرنسا قد تربك ساركوزي مثلما ستربك المنافسين لدومنيك داخل الحزب الاشتراكي للترشح للرئاسة باسم الحزب. وبغض النظر عن ترشيح دومنيك نفسه للانتخابات أم لا، فإن ثمة عوائق أخرى قد تحول دون استثمار ساركوزي لنجاحه في الملف الليبي داخليا في المعركة الانتخابية الرئاسية لأجل ولاية ثانية السنة المقبلة، ويمكن إجمالها أو تلخيصها في ثلاثة عوائق هي كالتالي: 1- أن غالبية الفرنسيين سيبنون اختيارهم للرئيس في الولاية المقبلة على اعتبارات داخلية ومدى النجاح في ملفات داخلية بالأساس وعلى رأسها ملف الشغل والتعليم والملف الاجتماعي، وهو ما لن يكون بكل تأكيد في صالح ساركوزي وتمكينه من ولاية ثانية، وتعد هزيمة حزبه المدوية في الانتخابات الإقليمية مؤشرا واضحا على الصعوبة التي سيواجهها الرجل في الانتخابات الرئاسية. 2- صدور كتاب تحت عنوان «ساركوزي قتلني» لصحافيين يعملان بصحيفة «لوموند» جيرار دافي وفابريس لهوم، يثير من جديد قضية بيتانكور التي هزت حكومة ساركوزي قبل سنة، وتتعلق باتهام الرئيس ساركوزي بتلقي مبالغ مالية كبيرة لدعم حملته في الانتخابات الرئاسية في 2007، وذلك نقلا عن القاضية إيزابيل بريفو-ديبريز التي كانت كلفت بقسم من قضية بيتانكور، حيث أكدت القاضية –حسب صاحبي الكتاب- أن الممرضة السابقة للمليارديرة ليليان بيتانكور وريثة عملاق صناعة التجميل «لوريال»، قالت لكاتبة المحكمة بعد مثولها أمامها: «لقد شاهدت عمليات تسليم أموال نقدا إلى ساركوزي لكني لا أستطيع تضمين ذلك في محضر جلسة». ورغم أن الإليزيه نفى تلك التهمة واعتبرها مجرد مزاعم لا أساس لها، فإن القضية ستؤثر على ساركوزي لأن اليسار سيستغلها بكل ما يستطيع، حيث طالبت زعيمة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري بفتح تحقيق حول تصريحات القاضية المضمنة في الكتاب المذكور. وفي السياق نفسه أعادت صحيفة «لوموند» فتح ملف القضية المذكورة، قائلة: «إنها توصلت إلى معلومات جديدة بخصوص خرق سرية مصادرها الخاصة بالملف من خلال التجسس على المكالمات الهاتفية لأحد صحافييها جيرار دافو ما بين 12 و16 يوليو 2010 لتحديد مصادر الصحيفة في القضية بيتانكور، وهو الأمر الذي اعتبرته في افتتاحية لها مؤخرا، استهدافا من الدولة للصحافيين وانتهاكا للقانون. 3- افتقاد ساركوزي للدعم الذي استفاد منه الفترة السابقة من جانب المهاجرين عموما والجالية المسلمة خصوصا بعد إخلافه وعوده معهم، بل فتح حكومته نقاشات واتخاذها إجراءات تضييقية ضدهم.