في زيارة مفاجئة لأحد الأصدقاء زملاء الدراسة وجدته في حالة من الذعر والقلق يُرعد ويزفر محتارا في تقويم ابنه ماجد البالغ من العمر أربعة عشر عاماً. سمعت الوالد يقول لابنه في عصبية زائدة.. ماذا تحب أن تعمل في حياتك إذا كبرت؟ هل تريد أن تكون سواقا أم سباكا ؟ وكان يعرض عليه عددا من المهن وكأن هذه المهن في نظر الوالد وضيعة وليست شريفة وانتهى بقوله: هل تريد أن تكون مهنتك في البطاقة الرسمية "حبيّب"..؟!! لماذا إهمالك واجباتك.. لاحظت الحيرة على الابن واحمرار لونه رغم الخجل الكبير الذي ينتابه في تلك اللحظات لا شك أنها كلمة مريبة ولا يُمكن استخدامها في المجال التربوي لأنها تُفتح عين الصبي على مالا يمكن أن نتقبله. إن ابن صديقي واسمه كان غاية في البراءة كما يقول المثل العامي: (قطة مغمضة) تظهر عليه الوداعة والألفة والبراءة بمعنى أنه خامة صالحة للتطويع والتطبيع. يحتاج منّا إلى من يُبادله العطف بالعقل والحب بالحكمة والنصح والإرادة. خاصة وأنه في سن حرجة. شخصياً أعتبر الميل إلى بنات الأسرة شيء عادي جداً خاصة في مقتبل العُمر فعادة ما ينتقل الصبي من مرحلة إلى مرحلة دون وجود من يوجهه أو يُرشده فالطفل دائماً ينتقل من مرحلة الطفولة المبكرة إلى الطفولة المتأخرة التي في نهايتها في سن 8-9 أعوام نجد أن البنات يميلون ويعتزون بجنسهم وكذلك حال الأولاد. فالبنت مثلاً تقول للولد في هذه المرحلة: "اذهب والعب مع الصبيان لأننا بنات ..!" هذه الفوارق تحتاج منّا إلى تأكيد كآباء وأمهات وتعزيز وتدعيم في نفوس أطفالنا ونشعر أبناءنا بأنهم انتقلوا من مرحلة لأخرى فلم يعد للطفل الذكر المشاركة في أعياد ميلاد البنات أو مشاركتهم في الألعاب بل يجب أن ينتقل إلى مجال الأولاد الذكور وكذلك الحال عند البنات..! ولا نتركهم إلى ما شبوا عليه من اختلاط ومشاركات في ألعابنا.. وهذا يتفق مع ما جاء في الحديث الشريف(( مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ )) فدائماً ما تكون العلاقة الفطرية الأولية لأبنائنا في هذه السنين الأولى قائمة على حسن النية بين الطرفين دون أن تُحرك الغرائز والرغبات الكامنة. فهي صداقات طفولة عابرة لمرحلة كامنة فيها الرغبات والغرائز. أما الانجذاب العاطفي فهذا شيء آخر. وما دام هذا الميل أمام الأسرة دون أن يصدر منه أي جنوح أو شبهات فهو مُباح التصرف إلى نهاية مرحلة الطفولة. وعلى الأسرة سواء كانوا آباء أو أمهات أو أجدادا أو إخوانا مراقبة الصبايا والصبيان في ألعابهم بمعنى (إياك أعني وافهمي يا جاره) دون خدش للكرامة أو التقليل من الشأن أو جرح للجنس، وهنا يجب على الآباء الابتعاد عن المصطلحات السيئة والمخلة بالآداب أو تقليل شأن مهنة من المهن الشريفة (فكلٌ ميسر لما خلق له) فالسائق والسباك وغيرهم يؤدون أدواراً مهنية يشكرون عليها وهي من المهن الشريفة يجب احترامها وتنشئة أبنائنا على احترام أصحابها وتقدير دورهم. فلا شك أن التربية تتغير من زمنٍ لآخر حسب تغير ثقافة المجتمع وأدواره المختلفة والمفاهيم الاجتماعية والقيم الدينية، فأهداف التربية متغيرة حسب الزمان والمكان وكذلك مفهومها وزمن الإنترنت والفضائيات وثورة الاتصالات عموماً غير زمن الانغلاق على المناهج والمعلم والبيت والمدرسة، اليوم أصبحت مصادر المعلومات كثيرة ومتاحة ومتنوعة وتحتاج منّا كمربين إلى المواءمة والتحديث والاختيار. وكذلك التدقيق فكل ما يُشاهد ليس بمباح أو مُتاح لكل فرد من أبناءنا. فالتواصل الاجتماعي يجب أن يكون ضمن حدود معروفة خاضعة للتقييم من الكبار والأسرة وأهمها المدرسة وخاصة في غُرف الأبناء المغلقة اليوم مع أنفسهم والإنترنت. فالدخول عليهم ومراقبة الجهاز واجبٌ أسريّ يفرض علينا المتابعة مع تحديد الوقت لاستخدامه، فالإشراف والتوجيه من قِبل القدوة الصالحة في البيت أو المدرسة واجبٌ يحتمه علينا حبنا لأبنائنا وتربيتهم التربية الصالحة ويحضرني هنا مثلٌ كانت تقوله لي جدتي رحمها الله تعالى: يا ولد اسمع.. (ما ينشأ جيل حتى يفنى جيل) بمعنى همكم أصبح قدكم ونحن هرمنا في سبيل متابعتكم وتوجيهكم فأنتم لم تكونوا هكذا بهذا الطول والعمر والمعرفة إلا من قِبل المتابعة والثقة والجهود المضنية التي دفعت بكم للتعلم حتى أصبحتم إلى ما أنتم عليه. هذه حقيقة لا مراء فيها.. اليوم نحن ندعو لآبائنا وأمهاتنا ومعلمينا وكل من له فضلٌ علينا في توجيهنا أو تعليمنا أو حتى نصحنا وإرشادنا،(فاللهم ارحمهما كما ربياني صغيرا)