حملت لنا الأخبار مؤخراً من أمريكا أن أستاذنا محمد صلاح الدين الذي يرقد في إحدى مستشفيات بوسطن .. اثر عارض صحي .. بدأ ولله الحمد يتحسن من أثاره .. ولمن لا يعرف " أبا عمرو" اقول بأنه من أوائل من امتهن متفرغاً مهنة الصحافة في بلادنا حيث عمل في جريدة الندوة .. ثم جريدة المدينة التي حلّق بها قبل أكثر من أربعة عقود حينما كانت الإمكانيات الفنية والمادية متواضعة جداً .. واحتلت المدينة التي أدار تحريرها لسنوات عديدة بكفاءة ومهنية عالية المقدمة في سباق صحفي كانت المنافسة خلاله لا يستهان بها .. ولقد عملت مع كوكبة من الزملاء تحت رئاسة هذا الرجل الذي لا يشعرك بأنه رئيس لك .. يصدر الأوامر لتطاع .. وإنما يعطي مساحة للمناقشة والإقناع والتوجيه .. ولذا فأنا شخصياً مدين له بتعلم الصحافة المنافسة التي وقودها التحدي والجهر بالحق بجرأة عاقلة .. وأتذكر مواقف عديدة أثناء عملي في مكتب جريدة المدينة في الرياض حيث ترددت أكثر من مرة في إرسال مواد فيها الكثير من الجرأة فإذا هو على الهاتف يشجعني بأن أرسلها لتجد مكانها البارز ولتجلب " للمدينة " مزيداً من الحرارة التي عرفت بها. ثم وهذا هو الأهم حماية الصحفي الذي يعمل معه من أي مساءلة وتحمله المسؤولية كاملة مهما كانت العواقب .. وتعلم الصحافة من هذا المعلم كثيرون يتبوأ بعضهم مناصب هامة في صحافتنا في وقتنا الحاضر. ومن صفات أستاذنا الجليل انه فقيه يتعمق في الجوانب الدينية والشرعية .. ولكنه لا يحب أن يظهر ذلك إلا عند الحاجة وبالذات إذا وردت آيات أو أحاديث نبوية في غير مكانها في بعض المقالات .. أما صفاته الشخصية الفاضلة فهي كما قال صديق مقرب له .. (( انه إنسان يعيش في غير عصره )) حيث العصر يندر فيه من يؤثر الآخرين على نفسه .. ومن يثق في الأصدقاء ثقة عمياء .. ولعل تلكم الصفتين أكثر ما سبب لأبي عمرو المتاعب .. وكلفته الكثير ولكنه لايندم على ذلك ويستمر في شهامته و الإجابة على طلبات أصحاب الحاجة والتوسط لهم بشفاعة حسنة لا تضر بالآخرين .. كما أن التعامل الحسن والتهذيب كانتا من صفاته حتى استحق عن جدارة لقب " أستاذ الأخلاق ". ورغم جدية الأستاذ محمد صلاح الدين الظاهرة والمعروفة فإنه مرح يدبر المقالب .. ويتقبلها أيضاً بصدر رحب .. وهذا الجانب يسأل عنه زميلنا الأستاذ محمد الطيار الذي كنت أشاركه العمل في مكتب المدينةبالرياض .. ونفرح حينما نتلقى خبراً بأن الأستاذ محمد صلاح الدين سيصل إلى الرياض لأنه سيشعل الحماس ويكسر الروتين اليومي في عملنا حيث نصاحبه في لقاءات مع الوزراء والمسؤولين كما نمضي معه وقتاً مرحاً في (فندق اليمامة) الذي كنا نجد صعوبة في إيجاد غرفة له .. ثم نتصل به بعد استقراره فيها لنشعره بأن عليه الإخلاء لخطأ وقع في إجراءات الحجز !! ومن صفات أستاذنا الجليل عفة لسانه حيث يصمت حينما يخوض الآخرون في حديث يتناول أشخاصاً حتى من المختلفين معه في الرأي .. وهو على أية حال قليل الكلام في المجالس العامة إلا حينما يكون الكلام مفيداً. وأخيراً: هذا هو محمد صلاح الدين الدندراوي .. من الله عليه بالصحة والعافية .. جاد في حياته العملية إلى ابعد الحدود حيث يمضي في مكتبه في الصحافة ثم حينما تفرغ لعمله الخاص أكثر ساعات النهار .. دون أن يشغله ذلك عن القيام بالواجبات العائلية والاجتماعية والرسمية لأنه منظم في وقته ودقيق في مواعيده .. وهو قبل ذلك وبعده طيب القلب والمعشر وصاحب قلم نزيه قوي في الدفاع عن دينه وبلاده وأمته.. ولذا فإن مقالاته التي ينشرها في جريدة المدينة ضمن عموده اليومي " الفلك يدور" تتسم بالعمق والثقافة الواسعة والجرأة المحكومة بالعقل .. وهذا ما يميزه عن غيره ويجعل " الفلك يدور" دائماً بكل ما هو مفيد ومميز بشهادة الجميع.