انتقل إلى رحمة الله الكاتب والأديب السعودي محمد صلاح الدين الدندراوي عن عمر يناهز 77 عاماً صباح أمس في جدة، بعد عودته قبل أيام من رحلة علاج طويلة. ويعد الدندراوي من أحد الرموز المهمة والبارزة في الساحة الأدبية والفكرية والثقافية والصحافية في المملكة العربية السعودية، حيث أسهم مع عدد من الرموز في وضع الأسس الأولى للصحافة السعودية. ويبرز إسهامه في عدد من المحطات، لعل من أبرزها بدايته في صحيفة "الندوة" في العاصمة المقدسة، فقد شارك في وظيفة سكرتير تحرير بها في عام 1960 إبان رئاسة صالح محمد جمال وشقيقه أحمد (رحمهما الله)، وكذلك في مدرسة محمد سعيد العامودي الذي كان يرأس تحرير مجلة الحج آنذاك. ومن أبرز المحطات كذلك عمله بجريدة "المدينة" بعد انتقالها من المدينةالمنورة إلى جدة، ليتسنم في فترة من فتراتها رئاسة التحرير، فقد جاءها بعد مرحلة مخاض صعبة، شهدت فيها الصحيفة عام 1964 تغيير ثلاثة رؤساء تحرير دفعة واحدة (محمد علي حافظ وعبدالحميد عنبر، وعزيز ضياء) واستقر وضع الصحيفة المهاجرة من جوار القبة الخضراء في المدينةالمنورة إلى ساحل جدة عروس البحر الأحمر بتسليم السيد عثمان حافظ مقاليد رئاسة التحرير، في جمادى الآخرة عام 1966. مدير تحرير "المدينة" وكان محمد صلاح الدين هو العضد المتين الذي استند إليه السيد عثمان حافظ، ووضع فيه كل ثقته، وعينه مديرًا للتحرير، واستمر في منصبه نحو تسع سنوات حتى عام 1975. فتحمل الأستاذ محمد صلاح المسؤولية بكل اقتدار، وكان زمام الأمر التحريري بيده، وأظهر طوال هذه المدة براعة وقدرة عالية، ويحفظ له أنه في تلك نقل الصحافة من بساطتها التي كانت سائدة في مرحلة التأسيس، إلى صناعة الصحافة الحديثة، من مانشيتات خبرية، وتحقيقات صحافية، وحوارات، ودرب على يديه جيلًا كاملًا تشاهدهم الآن نجومًا في مسرح الصحافة المعاصرة. ومن بينهم عدد من الرموز الصحافية والفكرية ممثلون في الأستاذ أحمد محمود، والدكتور هاشم عبده هاشم، وسباعي عثمان، وعلي حسون، ومحمد يعقوب تركستاني، ومحمد صادق دياب، وعلي خالد الغامدي، وعبدالعزيز النهاري، وإبراهيم الدعيلج، وقد أفادوا من خبرته كثيرًا، حيث احتل أغلبهم مواقع رفيع في سلم الصحافة السعودية. ولئن كانت شهرة الدندراوي في عالم الصحافة معروفة ومقروءة السطور؛ فإنه في مجال الكتابة الراتبة يبدو الأعلى شهرة من خلال عموده الثابت في جريدة المدينة "الفلك يدور"، ففي هذه الزاوية الشهيرة برز اسم محمد صلاح الدين بوصفه من أوائل الكتاب الذين جعلوا من عموده الصحافي منارة إشعاع، وفنار متابعة، يراقب منها وفيها خريطة مستجدات العالم الجديد، مع السهر على كل تفصيل يصيب جسد العالم الإسلامي الكبير. وبالرغم من جبلته الهادئة، وصوته الخفيض، وملامحه التي تشع منها دائمًا روح الرضا والسكينة، إلا أن صوت قلمه كان يصم الآذان، عندما يكتب عن المؤسسات الخيرية، وأوجاع العالم الإسلامي وقضاياه الكبرى. فمنذ أن تولى رئاسة تحرير صحيفة المدينة مطلع عام 1992 لم تنقطع زاويته "الفلك يدور" حتى مرحلة مرضه التي سبقت وفاته رحمه الله رحمه الله أستاذنا واسكنه فسيح جناته وأحسن الله عزاء كل مسلم ومواطن وكاتب في هذا الرجل المتواضع.