ما بال أزواج في أيامنا هذه ، ولايقيمون البيوت على المودة والرحمة، وضيعوا التوقير للأهل، وقد أمر الشرع الحكيم بما يحفظ للأسرة بناءها وامتدادها وتستقيم به أركانها ويسعدون في حياتهم، ولنا في رسول الله صلوات الله وسلامه عليه الأسوة الحسنة في حسن العشرة بين الزوجين، وتأسى بها السلف فتركوا لنا من الحكمة والوصايا الكثير مما نحتاج إليه في حسن معاملة الزوجة وتوقير أهلها. يروى أن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان قال : أرسلني أبي إلى عمي لأخطب ابنته، فأقعدني جنبه وقال :"مرحبا بابن لم ألده، أقرب قريب خطب إلي أحب حبيب، لا أستطيع له ردّا ولا أجد من تشفيعه بدّا. قد زوجتكما وأنت أعز علي منها، وهي أنوط بقلبي، فأكرمها يعذب على لساني ذكرك، ولا تهنها فيصغر عندي قدرك وقدر قربتك، فلا تباعد قلبي من قلبك" هذه واحدة مما جاء في الأثر من وصايا ، وتناقلتها أجيال وأجيال، وإلى عهد قريب قبل أن تداهمنا رياح التغير الاجتماعي وتعصف بقيم جميلة، كانت الأخلاق تسبق الماديات ولا أبالغ إن قلت أنها كل شيء. والاحترام للكبير أيا كان هو من احترام الأبوين وكان احترامهما وتوقيرهما كبيرا في نفوس الأبناء والأحفاد، فتشربوها جيلا بعد جيل، فكان اختيار العروس طبقا لبيت أهلها الذي نشأت فيه وتربت، وكانت الموافقة على من يتقدم لخطبتها تتم بناء على المعرفة بأهله أولا، وكان يكفي اسم الأب ومعرفة الأم لتتم المصاهرة، وكان الاحترام عظيما في نفوس الزوجين تجاه أهلهما الذين غرسوا فيهما تقوى الله تجاه كل منهما الآخر. واليوم وما أدراك ما يحدث وما نشهده من طبائع تستبد ببعض الأزواج فيستأسدون على شريكات حياتهم وتقسو القلوب وتتغافل عن قول الحق تبارك وتعالى "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" وقوله سبحانه :"وعاشروهن بالمعروف" وقوله سبحانه:" وأخذن منكم ميثاقا غليظا" وقول حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم:"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" وفي الحديث الشريف:"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخيارهم خيارهم لنسائهم" وهكذا هي صفات المؤمن الذي يحسن معاملة زوجته ومودة أهلها، كما هي صفات الزوجة المؤمنة في معاملة زوجها ومودة أهله، فيعاملها بالعطف والرحمة والإحسان وبشاشة الوجه ولا يترافع عليها ويعاملها بالمداراة والحكمة واللين، وتبادله هي كل ذلك. وللأسف الكثير من الأزواج في عصرنا هذا يتغيرون إلى النقيض، ويتركون الصغائر تنخر في مشاعرهم تجاه الزوجات نخر السوس في الخشب وتملؤها البغضاء ويسيء معاملتها دون رادع ولا خشية من العزيز الجبار وقد حرم سبحانه الظلم ويعجل بعقوبة الظالم، وفي الحديث القدسي:"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" فكيف بعد الأمر الإلهي العظيم نجد من يغرق في غي الظلم لزوجته وأهلها. أليس هذا سبب البلاء لكثير من الأسر والحياة الحالكة البائسة لبيوت تئن من الجفاء والقسوة وسوء الطبائع فيمتلئ قلب الزوجين بالضغائن والبغضاء، وتحترق أصابع الجميع بالمشكلات دون قدرة على الإصلاح، والنتيجة تصبح البيوت أهون من بيت العنكبوت وهشيما تذروه رياح الغضب والإهانة والضرب والسباب بألفاظ لا تليق بخلق المسلم. فلا يمسك عليه لسانه ولا عشرة بإحسان ثم فراق بغير معروف أو ترك الزوجة معلقة. إن التواضع أيها الأبناء والأحبة نعمة والإحسان فضيلة والمودة والرحمة كلها خير وبركة في النفوس، واستقرار للأسرة وسعادة للأبناء، وهكذا تقام البيوت وتؤسس فهلا جعلتم الخير في نفوسكم امتثالا للهدي الإلهي والأسوة النبوية، وليفتش كل طرف عن الخير في نفسه وفي شريكه ويبذل المعروف وإيثار الواجبات تجاه الآخر وتجاه الأهل، فالحياة والأسرة تستحق ذلك للسعادة في الدارين. اللهم وفق أبنائنا لما تحب وترضى. حكمة : قال تعالى:"وإنك لعلى خلق عظيم" 026930973