ظل الناس سنوات طويلة وهم يشكون من الحوادث المرورية القاتلة المدمرة الناتجة عن رعونة بعض قائدي المركبات وعدم مبالاتهم والتزامهم واحترامهم للأنظمة المرورية حيث كانوا يتجاوزون السرعة النظامية ويقطعون الإشارات المرورية ويعكسون السير ويقود بعضهم سيارته دون أن يحمل رخصة قيادة أو يكون في حالة غير طبيعية وكان المجتمع يتباكى على الضحايا الذين بلغ عددهم الآلاف سنوياً من القتلى وعشرات الالاف من الجرحى والمصابين المعاقين وكانت الصحافة التي هي مرآة المجتمع تنتقد عدم تحرك جهات الاختصاص لوضع أنظمة مشددة للحد من الحوادث المرورية وردع مرتكبيها، وكم قرأنا وشاهدنا في الصحف صور الضحايا وأكوام الجثث على قوارع الطرق، وكان وراء كل جثة مأساة لأن اصحابها قد يكون منهم رب أسرة ترك حفنة أطفال يتامى وأرملة أو يكون الضحية شاباً في مقتبل العمر فقده أهله بسبب حادث مروري شنيع أو يكون الضحية شاباً آخر تحوّل إلى معاق بعد حادث هشّم عاموده الفقري فأصيب بشلل رباعي وقد يكون وقد يكون الضحايا قافلة من المعلمات أو من الطلبة أو الطالبات في طريقهم الى المدرسة فيهجم عليهم سائق متهور وتتبعثر الجثث والأدوات المدرسية والأحذية والعباوات في مكان الحادث في صورة مؤلمة لا تُطاق، فلما قررت جهات الاختصاص ايجاد نظام رقابي أطلق عليه اسم ساهر لأن من مهامه السهرعلى حياة الناس وحمايتهم بقدر الإمكان من المتهورين واستخدمت في ذلك أجهزة المراقبة والتصوير الدقيقة التي تسجل السرعة ورقم السيارة المخالفة ونوعها بطريقة وثيقة لا دخل للإنسان فيها وأخذت نتائج نظام ساهر بتسجيل إيجابيات عديدة على الأرض ولاحظت إدارات المرور في المدن والمحافظات التي طُبّق فيها هذا النظام انخفاضاً كبيراً في نسبة الحوادث وأعداد الضحايا رأينا وسمعنا أصواتاً غريبة وعجيبة تُهاجم نظام ساهر وتصفه بأقبح الأوصاف وتُطالب بإلغائه، والغريب في هذا الأمر أن بعض الصحف التي كانت تُنادي عن طريق كُتابها وقُرائها ومندوبيها بتطبيق أقصى العقوبات ضد المستهترين بأرواح الناس. هذه الصحف أخذت بعد تطبيق النظام تتبنى وجهات نظر المطالبين بوقفه وإلغائه فهل رأيتم أعجب من هذا التناقض السلبي الذي يؤدي في حالة الأخذ به لاسمح الله إلى تشجيع وقوع الحوادث المرورية القاتلة، فهؤلاء الذين تعاطفوا مع المخالفين الذين تجاوزوا السرعة نسوا ما نتج وينتج عن التهور في السرعة وفي عدم تطبيق الانظمة المرورية من مآسٍ إنسانية لوضع الواحد نفسه مكان صاحب المأساة لما قال بذلك، ولو أنه اعمل العقل ولم يخضع لعاطفته وهواه لطالب بأن يُغطي نظام ساهر كل شارع رئيسي وفرعي وزقاق وجبل وسهل، ولكن ذلك ما قرأناه من آراء ومطالبات سقيمة حتى إن بعض الصحف نشرت أخباراً عن قيام شبان في بعض المدن والمحافظات بالاعتداء على سيارات ساهر ومن فيها من العاملين وتكسير الأجهزة وقد نشرتها وكأنها عمل بطولي يستحق الإشادة والإشارة مع أن الواجب على الإعلام عموماً أن يكون في صف التوعية والانضباط وحماية الأرواح لا أن يكون مع الخيل ياشقرة!! [email protected]