تكلمنا في الحلقة الماضية عن مخطط إسرائيل تجاه الدول العربية وخصصت بالذكر في هذه المقالات عن السودان، وتوقف بنا الحديث عن ذكر ماقاله الكاتب في مجلة Arabies (مارك يارد) وفي هذه الحلقة نجد أن المذكور يستطرد قائلا: إن سبب تدخل إسرائيل في إفريقيا وعلى الأخص جنوب السودان هو حصار مصر والتحكم في مياه أعالي النيل، تريد قيام دولة في جنوب السودان يمكنها التحكم في مياه النيل بما يسيئ إلى مصر وذلك من أجل رضوخها إلى اتفاقية السلام الموقعة ، وإذا حاولت التملص منها فإن لإسرائيل وسائل يمكنها أن تجبر مصر للرضوخ إلى شروطها بالاستمرار في اتفاقية السلام والتعاون مع إسرائيل ضد الفلسطينيين.ونجد أن الكاتب الفرنسي (بياربيان) يقول متسائلا: لماذا التركيز على السودان؟ ويجيب على ذلك قائلا: إن إسرائيل تعتبره واحدا من الدول الأكثر خطورة بسبب مساحته وخيراته الباطنة، ومن أجل هذا يجب أن تعمل إسرائيل على إشغال الخرطوم بحدودها وعلى الأخص من الناحية الجنوبية، وذلك بتشجيع الحركات الانفصالية في الجنوب، ومن هنا وضعت خطة لكي تتسلل إلى جنوب السودان، عرف بالتحالف الدائري لتكون تحالفا مع الدول المجاورة للدول التي تعتبرها خطيرة، ولذا فإن إسرائيل تحالفت مع أثيوبيا وأوغندا وأرتيريا، وأضحت أوغندا مهمة جدا في الخريطة الإستراتيجية لإسرائيل. كما نجد قبيل أيام قال رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (عاموس يدلين): (لقد أنجزنا في السودان عملا عظيما للغاية فقد نظمنا خطا لإيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه، ودربنا العديد منهم، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية لمساعدتهم، ونشرنا في الجنوب ودار فور شبكات رائعة وقادرة للاستمرار في العمل إلى مالا نهاية، ونشرف حاليا على تنظيم الحركة الشعبية هناك، وشكلنا لهم جهازا أمنيا استخباراتيا).كما نجد الكاتب الفرنسي (بياربيان) يستطرد قائلا في كتابه: إنه حاول أن يبرهن في السودان ماهو لا لعبة الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل وبريطانيا لتشجيع التمرد ولو أني لم أر مايبرر هذا التمرد، ولكن لانستطيع أن نفهم مايجري إلا أن نفسره بلعبة الأمم الكبيرة في السودان. وحينما نحلل لعبة الأمم وعلى الأخص الولاياتالمتحدة وإسرائيل نجد أن (قولدا مائير) حينما كانت وزيرة للخارجية الإسرائيلية قالت: (إن إضعاف الدول العربية الرئيسية واستنزاف طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوتنا وإعلام عناصر المنعة لدينا في إطار المواجهة مع أعدائنا). ولكي يضعوا الدول العربية فما عليهم إلا أن يتسللوا إلى الأقليات الموجودة بها ومن ضمنها جنوب السودان، وبعض الأكراد في شمال العراق، ونود أن نلفت الانتباه بأن نلمح أي دور الولاياتالمتحدة في لعبة الأمم والذي هو نتاج تأثير اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدةالأمريكية، إذ نجدهم استغلوا وجود (جون قرنغ) في الولاياتالمتحدة بعد نيله شهادة الماجستير حيث وظفته CIA وأعدته الإعداد الكامل وسلمته إلى إسرائيل حيث تدرب هناك وكان على اتصال تام بإسرائيل، إذ كان تمده بالسلاح والمعدات وكان كثيرا ما يشكرها في خطبه، لذلك نجد الصلة الوثيقة ب (سالفا كير) وحكومة بوش وبينه بعد وفاة (جون قرنق) إذ نجد أن وزيرة الخارجية هليري كلنتون تقول: (إن الاستفتاء قنبلة موقوتة) إذ نجدها تمسك العصا مرة وتهدد الخرطوم ثم تمسك الجزرة في اليد الأخرى وتغري الخرطوم بأنه إذا تمت عملية الاستفتاء وصولا إلى الانفصال الذي برأيها بات حتميا فإنها سوف ترفع العقوبات عن الخرطوم وتمحوها من قائمة الدول الراعية للإرهاب. ثم نجد أن (مارك يارد) يقول: إن السودان بالنسبة للولايات المتحدة مهم من عدة نواحي إذ يتكون من 2 مليون كليو متر مربع تحتوي على ثروات طبيعية جمة مثل البترول والذهب واليورانيوم، ويقع بين دول مهمة في العالم العربي والإفريقي، وهو يعتبر مفترق طرق بين هذه الدول.وذكر (بيار بيان) بأن حينما فشلت الولاياتالمتحدة لتكوين حلف مقدس بين أثيوبيا وأرتيريا وأوغندا ورواندا وزائير لإسقاط نظام البشير في الخرطوم وركزت على أوغندا ورئيسها (يوري موسديني) حيث توجد حدود مشتركة مابين أوغندا وجنوب السودان، وانطلاقا من هذه الحدود بدأت تحركات زعزعة استقرار الجنوب بغية فصله منذ عام 1983 أي حين بدأ نشاط التمرد فإن إسرائيل ثم بريطانيا والولاياتالمتحدةالأمريكية فهمت أنه أصبح شخصا مهما ويمكن أن يأخذ السلطة فشجتعه وبات منذ ذلك رجل المنطقة والحليف الأفضل للدول الثلاثي أي إسرائيل وبريطانيا والولاياتالمتحدة وكان أحد أهم الأهداف مراقبة الخرطوم وتشجيع حركات التمرد في جنوب السودان. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة [email protected]