قول كان يردده استاذنا الكبير محمد حسين زيدان وهو يقبض ملامح وجهه تمعراً ويفرك كفيه وأنا أوشك ان اقول له صدقت. وحديث كاتبنا الطلعة والمحدث البارع الزيدان لا يعني ان كل الناس متهمون بهذا النقص، ومع ذلك أقول إن اكثرنا مقصر وينسى صديقه الذي كان ملء السمع والبصر إذا قعد بين جدر داره وانزوى ، فلا سؤال عنه ولا تفقد له، وهذا خلل فينا ما كان ينبغي ان يشيع وان يكون ديدننا. أسوق هذا الحديث بمناسبة اختفاء اخوين كانا يشغلان مساحة الاهتمام، يوم كانا ذوي حراك في مذياعنا وصحافتنا وإنهما العزيزان، عبدالكريم الخطيب وعلوي طه الصافي، والخطيب ذو التواصل عبر ايام خلت وتلاقٍ يتجدد وتواصل هاتفي، غير ان الاخ علوي ليس لدي هواتفه، ولم يتح لي سؤال لداته وقد يقولون انهم لا يحتفظون بأرقام هواتفه، الى آخر سلسلة القول العائم. ولعلي اسأل عن «الوفاء» ربما كان في الكتب، لكن الذاكرة محت عنوانات واسماء، وامسى البياض هو الباقي، واعني به ليس الصفحة البيضاء التي لم تطوَ، ولكن صفحة كانت فيها سطور لم يمحها الزمن وانما مسحت، اهملت وهي لم تنس انما الايام المتقلبة، لا اتهم الزمن فأقول انه ألقى عليها ضباباً رمادياً جعل الخطوط مغبرة، ونقول السنون هي المسؤولة ونحن ابناء السنين لانها اوعية تحتفظ بما يرسم فيها بمداد باقٍ، لكنه دخل العتمة تفقد بريقه الذي كان، ألبسه التناسي، لم يعد ذا بال لأنه فقد تلويحه، صار غير ذي موضوع وربما ردد كثير منا قول شوقي أمير الشعراء «اختلاف النهار والليل ينسي». ورب سائل يقول : المهم لا ينسى، لأن الذاكرة لها حراك ما يشغل من ذوات الاهتمام، وكثير من الاهتمام وربما سراب، الذي يحسبه الظمآن ماء، مما نقرأ في سورة النور. خواطر تتداعى على الذاكرة، وظلمات نرددها عفو الخاطر.. ربما واردد المثل السائر: ويلى الشجي من الخلي، والى الله ترجع الامور.