** أولاً نحمد الله الذي أعاد الى الاب المكلوم ابنه الذي تم اختطافه من مستشفى حكومي في المدينةالمنورة، وكما قال الأب فان ابنه لو مات تحت بصره - في العادة - فان الاب والام يفجع مرة واحدة، لكنه لو ظل مفقوداً فانهم يموتون الف مرة، الى اخر ما هنالك من معاناة نفسية رهيبة لا يعرف حجمها الا من عاش مصائب فقدان فلذات الاكباد، حمى الله الجميع منها. ** أما ثانياً فدعونا نتحدث بهدوء ونقول ان ما يبدو للوهلة الاولى في قضية (سرقة) طفل المدينة المولود حديثاً، ودعوني اسميها (سرقة) انسان (بحاله) انما هي كارثة بكل معنى الكلمة، وهي تعني عدة أشياء، من ابرزها (اهمال) المستشفيات وخاصة الحكومية، والتي يبدو - حقيقة - ان (الدرعا ترعى فيها) ليس الآن ولكن منذ زمن بعيد، وقد اثبتت كل القيادات الصحية عجزها في ضبط امورها، وهي واخواتها مراكز الرعاية الاولية. ** لا نقول هذا تجنياً ولكنه من واقع ما تراه عيوننا، ونحن نزور عدداً من المستشفيات والمراكز الصحية - وقد قلت سابقاً وأكرر الآن - إن المشكلة (إدارية) بالدرجة الأولى، نعم هناك أخطاء غير الادارية، ولكن الواضح ان عملية الضبط الاداري ضعيفة الى درجة مخجلة. ** طفل المدينة المسروق كان يجب ان يستنفر (أركان) وزارة الصحة فنرى مسؤولين كباراً من الوزارة، بل وحتى الوزير (لم لا) وسط الكارثة، يبحثونها، يقفون على جوانبها، وعلى الاقل يشعرون ذوي الطفل، ونحن من ورائه كمجتمع ان هناك اهتماما، وان هناك اصرارا على تخطي الاخطاء، وتصميم على معاقبة المسؤول اياً كان على مستوى المستشفى أو إدارة الشؤون الصحية بالمدينةالمنورة. ** أنا شخصياً وبحسب متابعاتي لم أسمع شيئاً من ذلك، حتى ان الاب المكلوم عاتب مسؤولي الصحة عندما لم يقفوا معه ولم يواسوه (بحسب الوطن) وكأن أولئك اكتفوا بدور المتفرج من على بعد، وكأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد، مع أن الطفل سُرق من مستشفى الصحة، والذي سرق ليس كرتونة أدوية، أو (شوية) أربطة ولفافات طبية، ولكنه (آدمي - بحاله). ** طبعاً حكاية الاستقالة هذه (ارفع - ايدك) وبالرغم من أنها ثقافة سائدة في العالم المتقدم، حيث يسارع المسؤول إلى تقديم استقالته فور سماعه بحدوث كارثة مدوية في ادارته، احتراما لذاته، وتقديرا لحجم (المسؤولية) وكدرس تربوي للاجيال بأن يقتفوا اثره، حتى يعرف كل احدٍ ان المسؤولية قيمة عالية لا تقبل اخطاء فادحة مثل هذه.. نقول رغم كل ذلك لم يتقدم احد باستقالته، واظن انه لم يفكر في ذلك احد، من منطلق ثقافتنا المجتمعية التراكمية في (حب الكراسي) والافتتان بها، حتى على جثث الضحايا. ** ايها الأخوة في وزارة الصحة ان العالم قد تغير، ولا زال مصرا على التغيير كل لحظة، أفلا نشارك هذا العالم-ونحن جزء منه- في مسيرة التغيير هذه، ولماذا هذا الانكفاء الغريب، وهذا التكلس الجامد، أليس بيننا ومعنا عقول متفتحة كثيرة، يمكن لها ان تساهم في قيادة مجتمعنا الى خطوات جديدة متقدمة الى الامام، من خلال خطوات جادة وصارمة ترفع اولا من مستوى الخدمات الضعيف عندنا حاليا، في خدمة المواطن صحيا، حيث ان ما يقدم الآن لا يوازي طموحات ولي الامر حفظه الله، فكم من مريض فقير يتعالج (على حسابه) وكم من مركز صحي يعمل بأسلوب (حسب التساهيل) وكم هو عجز مدننا في المرافق الصحية، وكم هي الاخطاء الطبية، وكم عدد الاطفال الذين يتم خطفهم من المستشفيات؟.. فهل هناك بقية من امل في الاصلاح.. نرجو ذلك؟.